يزيدها حسنا، وهكذا نجد أنه يربط الجمال- أو الحسن على حدّ تعبيره- بالمنفعة خلافا للمدرسة الغربية المعاصرة، والجميل عنده موضوعي، ينبغ جماله من شكله، وتركيب أعضائه وجزئياته، إذ يقول: «وربّ شيء إنما الأعجوبة فيه إنما هي في صورته وصنعته وتركيب أعضائه وتأليف أجزائه، كالطاوس في تعاريج ريشه وتهاويل ألوانه، وكالزّرافة في عجيب تركيبها ومواضع أعضائها.. أو يكون العجب فيما أعطي في حنجرته من الأغاني العجيبة والأصوات الشّجية المطربة والمخارج الحسنة» «١».
فقضية استيعاب الجميل تعتمد على الحسّ، لأن الجميل هنا موضوعي محسوس، فهو يدل على حاسّة البصر في جمال شكل الطاوس والزّرافة، وعلى حاسة السمع في جمال أصوات الطيور المغرّدة، وكذلك يدلّ على تناسق الشكل الذي ترتاح إليه العين، ولا تختلف مدارس علم الجمال في اختصاص هاتين الحاستين بإدراك الجمال.
ولا يكتفي بالحواس الظاهرة، إنما يعدّها سبيلا إلى مكمن المشاعر أو القلب حسب تعبيره، إذ يقول: «وإذا رفعت القينة عقيرة حلقها تغنّي حدّق إليها الطّرف، وأصغى نحوها السمع، وألقى إليها القلب الملك، فاستبق السمع والبصر أيهما يؤدّي إلى القلب ما أفاد منها قبل صاحبه» «٢».
ولا يقتصر الجمال عنده على المحسوس المرئي أو المسموع، فهناك جمال معنوي مجرّد يتملّاه العقل أو القلب، ونحن نلتمس هذا من خلال حديثه عن القبيح، إذ يقول عنه: «الضيق في الملوك، والغدر في ذوي الأحساب، والحاجة في العلماء، والكذب في القضاء، والشّح في الأغنياء» «٣».
وهذا الجمال المعنوي الأخلاقي لا يبتعد عن الشريعة الإسلامية، كالوفاء والعفّة والصدق والكرم والشجاعة، إلا أنه يريد شدة القبح في حالات معينة.

(١) الجاحظ، الحيوان: ٥/ ١٥٠ - ١٥١.
(٢) الجاحظ، ١٩٦٤، رسائل الجاحظ تحقيق عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة ٢/ ١٧٠.
(٣) الجاحظ، البيان والتبيين، دار الكتب العلمية، بيروت، بلا تاريخ: ٣/ ٢٣٣.


الصفحة التالية
Icon