أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ «١»، وفي تصوير قساة اليهود: كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً «٢» فقد وصف ورق الزّرع في سورة الفيل بأنّه مأكول، ليزيد من تصوير قبحهم، فقد أكلت الدّوابّ هذا الورق، وأتبع الرّماد بذكر الرّيح العاتية، وأضرب عن الحجارة، ليصمهم بأنّهم أقسى من الحجارة، وهذا ما يشدّ الانتباه، ويفسح المجال لتخيّل قلوب صلدة، وهذا الإحكام لا يقتصر على مفردات الجماد.
لقد تناولنا هنا بعض النماذج المقتبسة من كتب المحدثين، وهي تعدّ تأكيدا لأهمية مفردات الطبيعة، وتصديقا لعموم الطبيعة وتأثيرها على مرّ العصور، فقد اعتمد القرآن على ما هو مستمر دائم مثل الحجر والمطر والجبال والنّبات، لتكتسب الصورة البصرية عموم التأثير واستمراره، وتبين لنا أن سيّد قطب وأحمد بدوي استطاعا أن يبرزا الشّحنة النفسية في استعمال مفردات الجمادات ومناسبتها للمواقف الشعورية، مضيفين إلى نظرة الأسلاف زيادة التأكيد على الإيحاء.
- مفردات الأحياء:
الأحياء جزء من المشاهدات اليومية التي خلقها الله عزّ وجلّ، وهذا لا يقتصر على البيئة العربية، وقد ذكرت الأحياء في سياق توضيح نعمة الله، ليسير المرء في موكب الحياة، فمنها ما يؤكل ومنها ما يركب، ومنها المحلّل، ومنها المحرّم، قال تعالى: وَالْأَنْعامَ خَلَقَها، لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ، وَمِنْها تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ «٣».
وجاء ذكر الأحياء في الصورة الفنية مخصّصا بشكل دائم لمقام التّوبيخ وإظهار بشاعة الكافرين، ولهذا اختير من الحيوان الجانب السلبيّ والقبح وقلة الفائدة والجمال، فقد كرّم الله الحيوان، وبيّن أن كلّ حيوان ينتسب إلى جماعة هي أمّة قائمة بذاتها، لما يطّرد فيها من أسلوب العيش، وهذه الأمم شبيهة بالأمم الإنسانية، قال عزّ وجلّ: وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ

(١) سورة إبراهيم: الآية: ١٨.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٧٤.
(٣) سورة النحل، الآيتان: ٥ - ٦.


الصفحة التالية
Icon