بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ «١».
وقد ركّزت الصّورة الفنية على خصوصية الطابع الحيواني، فالحيوان لا يملك إرادة الكفّ والمنع شأن الإنسان، ولا يستطيع أن يضبط نوازعه، ولا أن يفكر، فكلّ تصرفاته آليّة اندفاعيّة تعمل بدافع من غرائزه.
ففي الصورة البيانيّة الجانب القبيح من الحيوان، إنّنا نقرأ عن لهاث الكلب، لا عن وفائه، وغباء الحمار، لا صبره، والطابع البهيمي الغرائزي عند الأنعام، لا فائدتها في الرّكوب والأكل.
ويجدر بنا هنا أن نتوقف مليّا، ونتلمّس جمالية انتقاء الطبيعة في كتاب «الحيوان» للجاحظ، فعلى الرغم من أنه موسوعة علمية، ولا يختصّ بالبلاغة القرآنية فإننا لا نعدم شذرات رائعة ذات نظرة اختصاصية بأمور الحيوان، وذلك في أماكن ذكر الحيوانات الواردة في القرآن، نقول هذا تمشّيا محقّا مع البيّومي الذي قال: «إن الجاحظ أستاذ علم الأحياء، ليتهكّم خفيّا بالمعترض حين يقول: «على أننا ما نرمي بأبصارنا إلى كلابنا، وهي رابضة وادعة، إلا وهي تلهث من غير أن تكون هناك إلّا حرارة أجوافها، والذي طبعت عليه من شأنها» «٢».
وهو يريد قوله تبارك وتعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ، أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ «٣»، وهنا تنتقى حالة خاصّة من تصرفات الكلب، لتمثل ديمومة شناعة المرتدين المنافقين، وطول ألسنتهم، وتلاعبهم بالكلمات.
ولعلّ هذه الانتقائية تستمدّ قوّتها من تصوير المنافق المرتدّ، وهو يدلّي لسانه كالكلب نتيجة ضرام نار الحقد في دخيلته، ويلهث وراء الدمار، وذلك في حال الأمن والخوف على السواء، فالتودّد لا يجدي معه، ويقول الجاحظ أيضا: «فكان ذلك دليلا على ذمّ طباعه، والإخبار عن تسرّعه وبذائه، وعن

(١) سورة الأنعام، الآية: ٣٨.
(٢) البيومي، محمد رجب، خطوات في التفسير، ص/ ٨٩، وانظر الجاحظ، الحيوان: ٣/ ٣٨.
(٣) سورة الأعراف، الآية: ١٧٦.


الصفحة التالية
Icon