وعن جهله في تدبيره، وتركه وأخذه» «١».
ونظرته التخصصية بمنزلة مفتاح لتصوّر هؤلاء الكفرة، وقد قرنوا بالكلب من جهة محدّدة، فللكلب فوائد كثيرة أيضا، والجاحظ يقدّم لنا تفسيرا لاختيار حيوان بعينه في النص القرآني، وإن كان الأمر لا يمتّ بصلة للصورة الفنية البصرية، فمنه نفهم الإيحاء النفسي للاختيار الدّقيق الذي يوائم الطبيعة البشرية التي تنفر من القبح، يقول عزّ وجلّ حكاية عن ولد آدم عليه الصلاة والسلام:
يا وَيْلَتى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذَا الْغُرابِ «٢».
وهذا الحيوان يفيد تأكيد بشاعة الموقف المعبّر عن وحشية، وما نقتبس من الجاحظ يعدّ تنظيرا لظاهرة قبح الحيوان في الصورة الفنية، إذ قال: «ولو كان في موضع الغراب رجل صالح، أو إنسان عاقل، لما حسن به أن يقول: يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا العاقل الفاضل الشّريف، وكلّما كان المقرّع به أسفل كانت الموعظة في ذلك أبلغ» «٣».
ويتّضح هذا الرأي في تأويله لاختيار الخالق مسخ الكافرين قردة وخنازير، فهذا يوائم الطبيعة البشرية التي تنفر من القبح في هذين الحيوانين، يقول: «ولو لم يكن لهما في صدور العامّة والخاصّة من القبح والتّشويه، ونذالة النّفس، ما لم يجعله لشيء غيرهما من الحيوان لما خصّهما الله بذلك» «٤».
فالقصد من وجود هذه الحيوانات في الصورة الفنية تبيين تدنّي مستوى الكافرين وشناعة تصرفاتهم، وبعدهم عن الصفات الآدمية، ويمكننا أن نورد بعض الآيات في هذا الشأن مثل قوله تعالى: فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ «٥» وسَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ «٦»، ولَنَسْفَعاً
(٢) سورة المائدة، الآية: ٣١.
(٣) الجاحظ، الحيوان: ٣/ ٤١١.
(٤) الجاحظ، الحيوان: ٤/ ٣٩، ويؤكد ابن أبي الاصبع هذا الرأي في إعجاز خلق الذّباب، تحرير التحبير، ص/ ٤٧٤.
(٥) سورة الواقعة، الآية: ٥٥.
(٦) سورة القلم، الآية: ١٦.