بِالنَّاصِيَةِ «١»، وكثيرا ما شبّه الكفار بالأنعام والدّوابّ.
وهكذا نجد أن القرآن ينفي عن المشركين صفة التفكير عند ما يقرنهم بالجماد، فهناك عملية تحنيط وتجميد لهم، ويأتي الحيوان في الدرجة الثانية من التّدرّج، لأنه يتسم بالحركة، والقرآن باستخدام الحيوان يبثّ الحركة فيهم، ويؤكد تسلّط الغرائز، وكلّ ذلك لأجل توصيل صورة القبيح في أسمى شكل مؤثّر، فالناصية خصّت بالدّوابّ عموما، وهي في الآية تدلّ على تحقير الكافر ومهانته، فهو كالبهيمة تضرب ناصيته، وهو يشرب كالحيوان من الماء المغلي، ويعدل عن ذكر أنفه، فيضخّم قبحه، ويمثّل بحيوان له خرطوم، ويتجلّى القبح في العدول عن الأنف إلى الخرطوم، فهنا هبوط بآدمية المفتون الشرير إلى دونيّة البهائم والسّباع «٢» التي كان يعيش عيشتها.
ونقف على ذكر العنكبوت في القرآن، ونتلمّس المعالم النفسية التي ذكرها بعض الدارسين، فقد قرن عمل الكافرين في القرآن ببيت العنكبوت، إذ جعلهم: كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً، وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ «٣»، ونبدأ بالجاحظ صاحب النظرة العلمية، لنفيد من تخصصه وتذوّقه، فهو يقول: «فدلّ على وهن بيته، فكان هذا القول دليلا على التّصغير والتقليل» «٤».
إنّه يشير إلى هلهلة ما تنسجه العنكبوت، وينتقل مباشرة إلى العبرة من هذا التجسيم، وقد قال الرماني في هذا الشاهد: «تشبيه قد أخرج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة، وقد اجتمعا في ضعف المعتمد، وو هاء المستند، وفي ذلك التحذير من حمل النفس على الغرور بالعمل على غير يقين» «٥».
لقد نبّه إلى تجسيم المعنى المجرّد، وهو الأعمال القبيحة بصورة مرئية تعتمد التشبيه المركّب، ودلّ على طبع هذا الحيوان، ليعطي البعد الإنساني
(٢) انظر عبد الرحمن، عائشة، التفسير البياني: ٢/ ٦٣.
(٣) سورة العنكبوت، الآية: ٤١.
(٤) الجاحظ، الحيوان: ٣/ ٣٨.
(٥) الرماني، علي بن عيسى، ثلاث رسائل، ص/ ٧٨.