وهكذا لمسنا تنفير هذه الحشرة للناظر، وقد ركّز القرآن على العنكبوت مؤطّرة ببيتها الزّريّ، فشكل البيت مع الحيوان لا يريح البصر، وكل ما يعرف عن قذارة هذه الحشرة يعدّ مفسّرا لجمالية تجسيمها لقبائح الكفار.
لكن القدامى كانوا أدقّ في تحليل المثل، لأنهم وعوا إشارة قوله «وإنّ أوهن البيوت لبيت العنكبوت» وما قاله عامر ليس تفسيرا للمقصد الأساسي، بل هو أخذ بإيحاءات المثل وظلال المشهد، لأن المراد في الآية وهن بيت العنكبوت لا قذارتها.
ومن جهة الإحاطة قلّما نجد ما يشفي الغليل، إلا قليلا لا يردّ ولا يستهان به، ففي الآية: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ «١» نجد جدّة وعمقا لدى الزمخشري، وقد ذكر هذا الحيوان بصورة إيجابية لدى ذكر النّعم، فهو وسيلة للركوب، وذكر أيضا في مجال التّشنيع والتّسفيه داخل الصورة الفنية، وقد شبّه به الكفار في نفورهم وإعراضهم عن آيات الله، وفي هذه الآية يقصد نهاقه المذموم الذي شبّه به الصوت المرتفع، يقول الزمخشري: «والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة وكذلك نهاقه، ومن استفحاشهم لذكره مجرّدا، وتفاديهم من اسمه، أنهم يكنّون عنه، ويرغبون عن التصريح به، فيقولون: الطويل الأذنين، كما يكنى عن الأشياء المستقذرة، وقد عدّ من مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي المروءة، فتشبيه الرافعين أصواتهم بالحمير، وتمثيل أصواتهم بالنهاق، ثم إخلاء الكلام من لفظ التشبيه، وإخراجه مخرج الاستعارة، وأن جعلوا حميرا، وصوتهم نهاقا، مبالغة في الذمّ والتهجين» «٢».
وما يضاف أن مقولته تنطبق على كل الصور التي استخدمت الحمار مثل قوله تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ، ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً «٣». وقوله: كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ، فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ «٤»، وليته
(٢) الزمخشري، الكشاف: ٣/ ٢٣٤.
(٣) سورة الجمعة، الآية: ٥.
(٤) سورة المدّثّر، الآيتان: ٥٠ - ٥١.