تحدّث عن الصوت المزعج للحمار، وقد يكون أحيانا بلا سبب، كما يرفع الناس أصواتهم أحيانا، لأجل فقّاعة من فقاقع الحياة وقشورها البالية.
وهذا ما لفت إليه النظر الدكتور نور الدين عتر عند ما تلمس جمال التعبير في الصيغة، إذ يقول في تفسير الآية: إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ «١»: «صورة منفّرة غاية التنفير، تزيدها بشاعة صيغة الجمع «الحمير» وتوحيد كلمة «صوت» الذي يدلّ على صوت هذا الجنس البالغ غاية القبح بسبب ارتفاعه وصخبه» «٢».
لقد استطاع بعض الأسلاف التوصّل إلى جمال الاستمرار في الطبيعة التي اختيرت للصورة الفنية، وهذا الثّبات أو الاستمرار قائم لدوام صنيع الكفار، واستمرار أسلوب المنافقين، فما أحقّهم بصفات حيوانية لا يختلف فيها اثنان.
وقد رأى بدوي أنّ من عوامل استحقاق وجود المشبّه به هنا ما يمهّد له في الآية، ومن شواهده قوله عزّ وجلّ: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها، وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها، وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها، أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ، أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ «٣»، إذ يقول: «وأنت ترى في هذا التشبيه كيف مهّد له التمهيد الصالح، فجعل لهم قلوبا لا يفقهون بها، وأعينا لا يبصرون بها، وآذانا لا يسمعون بها، ألا ترى نفسك بعدئذ مسوقا إلى إنزالهم منزلة البهائم؟» «٤».
لقد تراءى لبعضهم أن الرومنسيين هم الذين أدخلوا فكرة تصوير القبيح، وهذا ما تراه روز غريب قائلة: «وهنا تصبح أهمية المعنى كعنصر جمالي، أنه يسمح للقبح أن يكون مظهرا من مظاهر الفنّ، فكم من وجه قبيح كثير العيوب يجذبنا بقوة تعبيره وجمال معانيه» «٥».
بيد أننا لا نجد مسوّغا لأولوية الرومنسيين، إلّا إذا كان المقصود تفريغ
(٢) عتر، د. نور الدين، ١٩٨٢، محاضرات في تفسير القرآن الكريم، طبعة أولى، المطبعة التعاونية، دمشق، ص/ ٧٣.
(٣) سورة الأعراف، الآية، ١٧٩.
(٤) بدوي، من بلاغة القرآن، ص/ ٢٠٥.
(٥) غريب، روز، النقد الجمالي، ص/ ٨١.