آيات أخر، ووجدوا في هذه توسّعا عاديا من قبيل الاستعمال اللغوي المجازي، مع أن المجاز لا يختلف عن باب الاستعارة، فإذا كان المجاز مرسلا فهو استعارة، والمرسل ما أرسل عن قيد التشبيه، وكذلك التشخيص فهو استعارة معقول لمحسوس.
وتأكيدا لهذه النظرة نورد رأي ابن قتيبة وابن الأثير في قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ، وَهِيَ دُخانٌ، فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً، قالَتا: أَتَيْنا طائِعِينَ «١»، إذ يردّ ابن قتيبة القول إلى حيّز الحقيقة لتوضيح المعنى «٢»، ويقول ابن الأثير: «نسبة القول إلى السماء والأرض من باب التوسّع، لأنهما جماد، والنطق إنما هو للإنسان لا للجماد» «٣».
ومما يحمدون عليه أن يشير الدارس إلى أهمية اللفظة المشخّصة بقوله «هذا أبلغ» بعد أن يبيّن الحقيقة اللغوية، ففي الآية الكريمة: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ «٤» تتفق الآراء في أنّ الحقيقة علا، و «طغى» أبلغ لأنّ فيه قهرا، وهو استعارة معقول لمحسوس، وقد كانت بداية هذا التذوق لدى الرّمّاني «٥».
سوف نورد بعض المفردات التي عني بها بعضهم عناية مرضية، فنحن لا نرى تفسيرا لغويا في كل الأحوال، وخصوصا أن المحدثين لم يخرجوا كثيرا عن تعليقات السّلف، حتى إنهم اعتمدوا شواهد القدامى نفسها.
هنالك آيات في ذكر جهنم وتصوير أهوالها، أسبغ البيان القرآنيّ عليها صفات جديدة، لتفجير طاقة التأثر، بما يكنه التّخييل الذي تبعثه المفردة في
(٢) انظر، ابن قتيبة عبد الله بن مسلم، ١٩٥٢، تأويل مشكل القرآن، تح: أحمد صقر، ط/ ١، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ص/ ٧٨.
(٣) ابن الأثير، المثل السائر: ١/ ٣٦٣.
(٤) سورة الحاقة: الآية: ١١.
(٥) الرماني، ثلاث رسائل، ص/ ٨٠، أبو هلال العسكري، الصناعتين، ص/ ٢٧١، وانظر ابن قيّم الجوزية محمد بن أبي بكر، ١٣٢٨ هـ، الفوائد ط/ ١، مطبعة السعادة بمصر، ص/ ٤٨.