ثوبها الجديد، إذ يقول تعالى: إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً، وَهِيَ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ «١»، ويقول الرماني عن الآيتين: «شهيقا حقيقته صوتا فظيعا كشهيق الباكي، والاستعارة أبلغ منه وأوجز، والمعنى الجامع بينهما قبح الصّوت وتَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ حقيقته من شدّة الغليان بالاتّقاد، والاستعارة أبلغ منه، لأنّ مقدار شدة الغيظ على النفس محسوس مدرك ما يدعو إليه من شدّة الانتقام، فقد اجتمع شدّة في النّفس تدعو إلى شدّة الانتقام في الفعل» «٢».
ولا يقلّل من شأنه نظرته الذوقية ما جاء في كتب غيره عن ربط الشهيق بصوت الحمار، ونهم البغلة إلى الشّعير «٣»، ويبدو لنا أن النظرة الأخيرة تصور عنفوان جهنم بصورة أقوى، فالرماني أحسّ بالصفة الآدمية التي جعلت من النار إنسانا يبكي من الغيظ، وتكاد تتقطّع غيظا من الكافرين، بعد انتظار طويل، وقد أحسّ بدافع الانتقام الذي جعلها عاقلة أشركت في مهمّة قصد العذاب، وصحيح أنه بدأ شارحا إلا أنه نبّه إلى قدره الترويع في هذه الاستعارة، ولذلك نرجّح هنا نظرة الرماني التي تدلنا على الحالة النفسية التي اكتسبتها النار المغتاظة.
كذلك نجد مثل هذا التأمل العميق النابع من ذوق شخصي لدى الشريف الرضيّ، فقد قال: «وصف النار بصفة المغيظ الغضبان، الذي من شأنه أن يبالغ في الانتقام، ويتجاوز الغايات في الإيقاع والإيلام» «٤».
ولا نعدم مثل هذا التعمق لدى الزمخشري الذي أشار إلى رغبة المغتاظ في تقطيع أعضائه، وكأنّه يتقطّع، ويمزّق ما عليه «٥».
ونحن نستشف من كلام الباحث القديم أن التركيز يظلّ على المفردة المنقولة، غير أن الباحث المعاصر يؤكد هذا بصراحة كما سيمرّ بنا.
(٢) الرماني ثلاث رسائل في الإعجاز، ص/ ٨٠، وانظر أبو هلال العسكري، الصناعتين، ص/ ٢٧١ وغيره.
(٣) انظر أبو السعود، إرشاد العقل السليم: ٩/ ٤.
(٤) الشريف الرضي، تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص/ ٣٣٩.
(٥) الزمخشري، الكشاف: ٤/ ١٣٦.