- تشخيص المفردة عند المحدثين:
إن طبيعة كتب المحدثين تقف حاجزا أمام تتبّع آرائهم جميعا ومقارنتها، لأن كتبهم كما ذكرنا سابقا أغلبها غير مختص بالبلاغة القرآنية، إنما هي في علوم القرآن كلها، فنحن مثلا نقع على شاهد قرآني في كل الكتب القديمة، كما هي الحال في هذه الفقرة، وهناك كتب للمحدثين تهتم بالتشبيه، فلا نصيب فيها لما نبغي.
والجدير بالذكر أن هذا الفن، أوّل ما نجده في كتاب أحمد بدوي على الرغم من مخالفته في تسمية هذا الفن، إلا أنّه قدّم عملا رائعا يقرن به ما جاء في كتاب صبحي الصالح، ونلفت الانتباه إلى أنهم أعادوا شواهد القدامى، ثم نقل بعضهم عن بعض.
لا بد الآن من أن نورد تعليق صبحي الصالح، لنرى ما أتى به المحدثون الذين فتحوا أعينهم على ثقافات عصرهم، وهو الباحث الذي يعترف للسلف بالجهود الكبيرة، وهذا إنصاف منه، وترفّع على التحامل في البحث العلمي، إذ يقول في الآيتين السابقتين: «مع أن تشخيص جهنّم هو الذي يجعل المشهد حافلا بالحياة والحركة، فهي مغيظة محنقة تحاول أن تكظم غيظها حين ألقي إليها المجرمون، ولكأن منظرهم البشع كان أشدّ من أن تتحمّله، وتصبر عليه، فتلقّتهم بألسنة لهبها، وهي تئزّ وتشهق، وبمهلها وقطرانها، وهي تغلي وتفور، حتى كاد صدرها ينفجر حقدا عليهم، ومقتا لوجوههم السّود، فليس في الصورة استعارة معقول لمحسوس فقط، وإنما استعيرت لجهنم شخصية آدمية، لها انفعالات وجدانيّة، وخلجات عاطفية، فهي تشهق شهيق الباكين، وهي تغضب وتثور، وهي ذات نفس حادّة الشعور» «١».
وهكذا نجد أن الانفعالات والشعور الحادّ عند الرماني «شدّة في النفس»، وليس الفرق كامنا بين إجمال وإسهاب، إنما التأكيد على المخزون الروحي لعملية التشخيص، وتجاوز الحسية.
يقف المحدثون أحيانا على الكلمة المشخّصة التي أعطت الجملة المعنى الجديد، أما القدامى فغالبا ما نظروا إلى جملة النص، من غير الرجوع إلى