أجزائه، ليتوصلوا إلى فضل المفردة، فقد كان السياق العام مقصدهم وشاغلهم، يقول تعالى: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها، وَازَّيَّنَتْ، وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً، فَجَعَلْناها حَصِيداً «١».
ولا بأس أن نوازن هنا بين تعليق الشريف الرضي وبين صبحي الصالح، يقول الشريف الرضي: «أي لبست زينتها بألوان الأزهار، وأصابيغ الرّياض، كما يقال: أخذت المرأة قناعها إذا لبسته» «٢».
فلا يقف هنا على المفردة المشخّصة، بل يشغل بالسياق العام خلافا لما يذكره صبحي الصالح، إذ قال: «أما الأرض فشخّصت مرتين، وقامت بحركتين، إذ أخذت بنفسها زخرفها، كما تفعل العروس في يوم جلوتها، وتطلّبت الزينة تطلّبا، وسعت إليها سعيا، فلم تزيّن، ولكنها ازّينت» «٣».
لقد نوّر صبحي الصالح في كتابه جمالية التشخيص، وركز على أهمية المفردة، وهنا يستمد إيحاءها من خلال صيغتها التي توحي بالإرادة، لأن الفعل لازم مما أفاد بثّ الروح في هذه الأرض.
ويؤخذ على المعاصرين ضالة حجم اهتمامهم بالتشخيص في بحوثهم، وكذلك اختلافهم في تسمية الفن، وإن كان مأخذا شكليا، لأن اختلاف التسمية لم يقف عائقا عن التعمق في كشف الإيحاء، فأحمد بدوي يقول حول الآية السابقة من سورة الأعراف: «وقد يجسّم القرآن المعنى، ويهب للجماد العقل والحياة، زيادة في تصوير المعنى، وتمثيله بالنفس، وذلك بعض ما يعبّر عنه البلاغيون بالاستعارة المكنية» «٤».
وهو يريد حذف المشبه به من الكلام، والاكتفاء بشيء يذكّر به، كالدّمغ والشّهيق والغيظ من الإنسان، ونفهم من كلامه أن «سكت» تجسّم، ونرى أن

(١) سورة يونس، الآية: ٢٤.
(٢) الشريف الرضي، تلخيص البيان في مجازات القرآن، ص/ ١٥٥، وانظر السيوطي، الإتقان: ٢/ ٧٠.
(٣) الصالح، د. صبحي، مباحث في علوم القرآن، ث/ ٣٢٦.
(٤) بدوي، من بلاغة القرآن، ص/ ٢٢١، وانظر الشيخ أمين، بكري، التعبير الفني، ص/ ١٩٦.


الصفحة التالية
Icon