التشخيص أخصّ من التجسيم، لأن التجسيم يعني تصوير المعاني بمحسوسات، أي نقل المجرد إلى الحسي، وربما لا يتخذ حركة أو شعورا بشريا، لتبيين المعنى، لذلك يظلّ صبحي الصالح صاحب الفضل في التركيز على مصطلح التشخيص، فلا يقتصر الأمر على جعل المعنوي مرئيا ملموسا، بل تضاف إليه الصّفات الآدمية، أما التصوير فهو شامل لهما أي: التجسيم والتشخيص.
إن الفن يشارك الفكر في جلاء الفكرة في البيان القرآني، ولا ينفصم أحدهما عن الآخر، وذلك لأن غاية التأثير لا يمكن أن تكون زائدة على المعنى، والتشخيص من أسمى مظاهر التأثير.
ونستنتج هاهنا أن القدامى توصّلوا إلى جماليّة إضفاء المشاعر على الكائنات الجامدة، وتذوّقوا هذه السمة الفنية بمستوى لا يختلف عما جاء لدى المعاصرين، إذ كشفوا قبلهم عن الدلائل النفسية لهذا التصوير الذي يبثّ الروح في الجماد.
كما تحمد لهم وفرة الجهود في المقام بالنسبة إلى ما مرّ به المعاصرون، ويبدو أنهم ظلوا يعبّرون عن هذه السّمة بالاستعارة والمجاز تقديسا للنص القرآني، فلم يذكروا تجسيما أو تخييلا.


الصفحة التالية
Icon