ويشير الرماني إلى الشّدّة المكنونة في لفظة «زلزلوا» التي تنم على اضطراب أعماق المؤمنين الذين انتظروا فرج ربهم، يقول تعالى: مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا «١»، فقد عبر الرماني عن هذا الاضطراب قائلا:
«زلزلوا أفضل من كل لفظ كان يعبّر به عن غلظ ما نالهم من الانزعاج فيهما، إلا أن الزلزلة أبلغ وأشدّ» «٢».
وكان في الإمكان الرجوع إلى المادة نفسها في القرآن، فنجد أن الزلزال حدث كوني عظيم، وهو مسخّر في الدنيا والآخرة، وفيه الارتجاج والانشقاق، وسائر المظاهر الطبيعية التي خوّف بها القرآن، وبهذا ننزع القشور الحسّية، لنشاهد زلزالا نفسيا.
ويمكن هنا الاعتماد على كون تكرير الحروف مصاقبا لتكرير الحركة، فنجد أن الزلزلة تشتمل على اضطرابات نفسية متتابعة لا تنقطع، خصوصا أن الزلزال هائل، ولا سيطرة عليه، وكما يقول حفني محمد شرف: «إن الاستعارة التي تضمنتها لفظة «زلزلوا» التي شبه فيها الاضطراب النفسي الشديد الذي أصابهم كالزلزال، ومهما حاولنا تغيير لفظ الاستعارة فلن يؤدي المعنى المطلوب، ولا الحالة المرجوّة» «٣».
ونلمس إحساس الباقلاني بقوة الحركة لدى إشارته إلى قدرة تصوير بعض الآيات مثل قوله تعالى: قالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ «٤»، ويقول:
«ومما يصوّر لك الكلام الواقع في الصفة تصوير ما في النفس، وتشكيل ما في القلب حتى تعلمه وكأنك مشاهده» «٥».
وهو لا يذكر مصطلح الاستعارة، إلا أنه يريده في هذه المفردة، فالقدامى لم ينتبهوا إلى جمال الحركة إلا فيما ظهر في الاستعارة على الأغلب، وهم إذا

(١) سورة البقرة، الآية: ٢١٤.
(٢) الرماني، علي بن عيسى، ثلاث مسائل ص/ ٨٣، وانظر العسكري، أبو هلال، الصناعتين، ص/ ٢٧٤، والعلوي، يحيى بن حمزة، الطّراز: ١/ ٢٤٥.
(٣) شرف، حفني محمد، الإعجاز البياني، ص/ ٣٤٤ بتصرف لغوي.
(٤) سورة الشّعراء، الآية: ٥٠.
(٥) الباقلّاني، محمد بن الطيب، إعجاز القرآن، ص/ ٢٤٤.


الصفحة التالية
Icon