مرّوا بكلمات مستعارة تصور الحركة لا يذكرون الاستعارة، كما هي الحال عند الباقلاني الذي بيّن جمال الانقلاب.
ولعلّهم يمرّون بالحركة القوة- الانقلاب- غير آبهين بقدرتها التصويرية، ففي قوله تعالى: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ «١» نلمس سرعة التجار الكفار،
ونشاطهم بين المدن والقوافل، وكأن البلاد الواسعة أطراف فراش يتقلّب بينها التاجر، وهذا يعني عمق تأثير الموقف لدى الرسول الكريم، ولا يكون هذا بكلمة «تجارة» أو «ذهاب» إنه تقلب.
وفي هذه الآية يقول أبو السّعود: «وإنما جعل التقلّب مبالغة أي لا تنظر إلى ما عليه الكفرة من السعة، ووفور الحظ، ولا تغترّ بمظاهر ما ترى من التبسّط والمكاسب أو المتاجرة أو المزارع» «٢».
وقول مثل هذا يدلّ على إجمال التذوق الذي يلجأ مباشرة إلى مصطلح المبالغة، ولا ينير الناحية الفنية في تجسيم الحركة، وقد ذكرت معاني التقلب والانقلاب في القرآن خمسا وثلاثين مرة، وهي دالة على قوة الحركة وسرعتها، وعدم تذوق هذه الصورة ينطبق على المحدثين باستثناء قطب الذي يعدّ تفسيره أكبر رصيد لجمال الحركة، لأن تفسيره عني بالتصوير، فأجاد في التعبير عن قدرة المفردة على الرسم، وإن كانت له هفوات تمخّضت عن ذوق فردي.
يقول تعالى: فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ، وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً «٣»، وتعني الآية انتشار خبر موت الرسول الكريم في غزوة أحد، وتأنيب الخالق للمؤمنين، ويقول سيد قطب: «وفي التعبير تصوير حي للارتداد، فهذه الحركة الحسية في الانقلاب تجسم معنى الارتداد عن هذه العقيدة، وكأنه منظر مشهود، والمقصود أصلا ليس حركة الارتداد الحسية بالهزيمة في المعركة، ولكن حركة الارتداد النفسية» «٤».
(٢) أبو السعود العمادي، محمد بن محمد، إرشاد العقل السليم: ٢/ ١٣٥.
(٣) سورة آل عمران، الآية: ١٤٤.
(٤) قطب، سيّد، في ظلال القرآن، مج ١: ٤/ ٤٨٦.