ومما يضاف هنا إلى قوة الحركة توالي القافات في المفردات الآتية: «قتل، انقلبتم، أعقابكم، ينقلب، عقبيه» ولعل هذا يدلّ على خشونة الطّبع، وشدّة التّوبيخ.
وقد اكتفينا بنبذة من تأملات الدارسين لضيق الحجم، ولكثرة التّكرار في الكتب، ولا بأس أن نمر ببعض الآيات، ونتملى جمال الحركة في مفرداتها، ففي قوله تعالى: قالُوا: لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ «١» نستشف أقصى غايات التغيّر، فالتعبير بالانقلاب يدل على أسرع حركة تجسّم تغيّر رأي السّحرة بفرعون، والتماسهم حبل ربّهم.
كما نجد هذه القسوة والسرعة في الآية الكريمة: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ «٢» وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ «٣». وكذلك في تصوير صلاته عليه الصلاة والسلام، الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ «٤» فالتقلّب هنا يعبّر عن الحركة الرشيقة التي كان دافعها الإيمان القوي الراسخ.
ويظهر جليّا أن القرآن يميل إلى بث الحركة في الكائنات والمشاعر، وانتقاؤه يدل على مناسبة المواقف، وإقناع العقل وإمتاع الوجدان بجوانب الحركة المبثوثة، فتغدو المشاهد موّارة تثير الخيال، وتتغلغل في الأعماق، ولا تكون سردا ذهنيا جافا.
وكثيرا ما نجد الحركة القوية السريعة مما يبعث على تأثير خاص لا يطلب في موضع آخر، وقد قال جويو: «الصفة الأولى من صفات الجمال في الحركات هي القوة، والصفة الثانية من صفات الجمال في الحركات هي الانسجام، أعني ملاءمة الحركة لبيئتها وغايتها» «٥».
(٢) سورة الشّعراء، الآية: ٢٢٧.
(٣) سورة الحجّ، الآية: ١١.
(٤) سورة الشعراء، الآيتان: ٢١٨ - ٢١٩.
(٥) جويو، جان ماري، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، تر: سامي الدروبي، ص/ ٤٣.