هناك تلفّتا منه بين الفينة والفينة خوف العدوّ، فيتقاسم حركته المشي والوقوف الحذر في خفية وحذر، ولعلّ هذا يستمدّ كما رأينا سابقا- من توالي الفتحات الذي يتبعه وقوف الشّدّة، ثم تجيء حركة الضّم على الباء.
وعلى هذا المنوال نستطيع أن نفسّر علاقة الصوت بالصورة في كلمة «يتمطّى» كلمة من قوله تعالى: ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى «١»، لأن الشّفاه ترتاح في حركة الفتح، ونستطيع أن نتلمس تطاول الأعضاء بعد شدّ العضلات من الوقوف في الشّدّة الذي تتبعه الألف المقصورة ذات المدّ الطويل، وهذا المدّ يمثل انفراج الأعضاء، وتعالي الرجل في مباهاة وخيلاء، وتلك مشية ذميمة اسمها المطيطاء، وفي لسان العرب لابن منظور: «المطيطاء والمطيطى بالمدّ والقصر التّبختر ومدّ اليدين في المشي» «٢».
ومن النظرات الموفّقة التي استطاعت أن تقدّم شيئا من التفسير ما جاء لدى قطب في قوله تعالى عن المؤمنين الذين لم يذهبوا إلى الجهاد: ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ «٣»، يقول قطب: «لو أنّك حذفت الشدة من الكلمة، فقلت: تثاقلتم، لخفّ الجرس، وضاع الأثر المنشود، ولتوارت الصورة المطلوبة التي رسمها اللفظ واستقلّ برسمها» «٤».
وذلك لأنه قد لفت نظرنا إلى التشكيلة الصوتية، ولهذا نقول: إن حرف الثاء لثويّ، ووجود الشّدّة عليه يجعل اللسان عالقا بأطراف الأسنان بشكل قويّ، وهذا يمثّل حبّهم للقعود، وعدم التحرك، ولا شك في أن فرضية تبديل المفردة ب «تثاقلتم» توحي بهذه العملية في جهاز النطق، لكن هذا من حيث النّغم فحسب، إذ تدلّ صيغة «اثاقلتم» على المبالغة في حين تدلّ «تثاقل» على التكلف.
لم تخل نظرات قطب أحيانا من جنوح إلى التوهّم، وتحميل المفردة طاقة من ذاته، فهو يعدّ مفردة ما مجسمة للحركة بجرسها، والقارئ لا يرى
(٢) ابن منظور محمد، لسان العرب، مادة (م. ط. ط): ٧/ ٤٠٤.
(٣) سورة التّوبة، الآية: ٣٨.
(٤) قطب، سيد، التصوير الفني، ص/ ٨٧.