الحركة إلا في مضمون المفردة التوصيلي، وهذا من مظاهر المغالاة في أمر «الأونوماتوبيا» إذ يقول جلّ وعلا عن آدم وحواء فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها، فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ «١»، فهو يرى أن لفظة «أزلهما» تصور الحركة على أنها تعني الحركة فقط، ولا حاجة لاستنباط ما لا يوجد فقد جاء في تفسيره:
«إنه لفظ يرسم صورة الحركة التي يعبّر عنها، وإنك لتكاد تلمح الشيطان، وهو يزحزحهما عن الجنة، ويدفع بأقدامهما فتزلّ وتهوي» «٢».
وهذا يختلف عن إثارة الخيال لتصوّر الحركة المعينة، وهي كثيرة في التفسير المعاصر وعند قطب خاصة، فقد استشفّت عائشة عبد الرحمن قوة الحركة في فعل «أخرجت» من قوله تعالى: وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها «٣»، إذ تقول في تفسيرها: «يلفتنا في إخراج الأثقال هنا ما توحي به من اندفاع للتخلص من الثقل الباهظ، فالمثقل يتلهّف على التخفّف من حمله، ويندفع فيلقيه حين يتاح له ذلك، والأرض إذ تخرج أثقالها تفعل ذلك كالمدفوعة برغبة التخفّف من هذا الذي يثقلها عند ما حان الأوان» «٤».
ونجد أنها لم تؤكد تأكيد قطب الذي كثر الوهم عنده، لكونه فسّر القرآن كلّه، فمواقع الخطل متعددة، وإضافة إلى الكم يعدّ أكثر الدارسين تعتيما نتيجة استسلامه أو حماسته لمنهج الدراسة الذي حدّده.
ولم تكن هذه الفكرة غائبة تماما عن أذهان القدامى، ففي وقفاتهم- على قلّتها- ما يعدّ تمهيدا للمحدثين إضافة إلى وجودها في النقد الغربي المعاصر، وباستطاعتنا أن نؤكد استمداد المحدثين لها من طبيعة اللغة العربية، واعتمادهم ما ذكره فقهاء اللغة، وبعض دارسي الإعجاز البياني، ودارسي الأوزان الصرفية ودلالاتها.
ينقل برتيليمي عن كلوديل ما يعدّ لفتة إلى وجود هذه الظاهرة في النقد الحديث: «إن الكلمة تعيد أداء الحركة التي هي دافع كل كائن، بل هي الكائن

(١) سورة البقرة، الآية: ٣٦.
(٢) قطب، سيّد، في ظلال القرآن، مج/ ١: ١/ ٥٨.
(٣) سورة الزّلزلة، الآية: ٢.
(٤) عبد الرحمن، وعائشة، التفسير البياني: ١/ ٨٩.


الصفحة التالية
Icon