نفسه، وقد صوّره من ناحيته الصوتية الفمويّة، هي الشيء بعد أن أصبح نغما» «١».
إذن ففي إمكاننا أن نشمّ رائحة المعنى ومعالم الصورة من الصوت، وبهذا تبعد الكلمة عن كونها إشارة اعتباطية فقط.
ويطيب لنا أن نورد كلام الزمخشري ما دمنا في صدد جمال الحركة في الصوت، وذلك في الآية: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ، وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ «٢» فقد أشار إلى تجسيم
الحركة المتكررة تبعا لتكرر الحروف، وهو يقرر هنا ما جاء به فقهاء اللغة، إذ يقول: «الزّحزحة التّنحية والإبعاد تكرير الزحّ، وهو الجذب بعجلة» «٣».
ولكنه لا يذكر شيئا إزاء الآية: الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ «٤»، فالأمر لا يطّرد في كل مفردة تكررت حروفها، وفي الآية: فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَالْغاوُونَ «٥»، يقول متملّيا المفردة بذوق رفيع، ويكاد يفوق المحدثين، لكونه يذكر سبب تكرير الحركة: «الكبكبة تكرير الكب، وجعل التكرير في الفظ دليلا على التكرير في المعنى، كأنه: إذا ألقي في جهنم ينكبّ مرة بعد مرة حتى يستقرّ في قعرها» «٦».
ونضيف أن انضمام الشفتين ثلاث مرات في هذه المفردة، مرة على الكاف لوجود الضم، ومرتين على الباء، لأنه حرف شفويّ شديد، وهذا الانضمام يصور حركة تكوير الكافر، وهو يتدحرج حتى يصل إلى القعر، ويتجمع جسده كالكرة، وكما تتجمع الشفاه في لفظ هذه المفردة.
والجدير بالذكر أن اقتصار القدامى على تجسيم تكرير الحركة جعل المادة المدروسة ضئيلة، فلا نقع في كتبهم إلا على النّزر القليل، وهو يتركز على
(٢) سورة آل عمران، الآية: ١٨٥.
(٣) الزمخشري، الكشّاف: ١/ ٤٨٥.
(٤) سورة يوسف، الآية: ٥١، حصحص: توضّح.
(٥) سورة الشعراء، الآية: ٩٤.
(٦) الزمخشري، الكشاف: ٣/ ١١٩.