ويفصل أبو حامد الغزالي «١» بين الجميل والنافع، بيد أنه لا يلغي لذّة النافع، إنما يقدّر له لذّته الخاصة به، فهو يقول: «كل جمال محبوب عند مدرك الجمال، وذلك لعين الجمال، لأن إدراك الجمال فيه عين اللذة، واللذة محبوبة لذاتها لا لغيرها، ولا تظنّنّ أن حب الصور الجميلة لا يتصور إلا لأجل قضاء الشهوة، فإنّ قضاء الشهوة لذّة أخرى قد تحبّ الصور الجميلة لأجلها، وإدراك نفس الجمال أيضا لذيذ، فيجوز أن يكون محبوبا لذاته، وكيف ينكر ذلك والخضرة والماء الجاري محبوب لا ليشرب الماء، وتؤكل الخضرة، أو ينال منها حظ سوى نفس الرؤية» «٢».
يذكر الغزالي هذا في حديثه عن المحبة، وهنا يتحدث عن حبّ الأشياء المحسوسة، ويذكر حاسّة الرؤية، ويمكننا أن نعدّ كلامه تفسير لقوله عز وجل عن الإبل: وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ «٣». إذ ينص البيان القرآني على أن الأشياء ليست جميلة لذاتها بل لمنفعتها للإنسان في الوقت نفسه، وتمتع الإنسان بالصفات الجميلة يؤدي إلى تسبيح الخالق عز وجل. فالموقف الجمالي بحسب المنهج القرآني يقول بالغائية، إلا أنه يدعو إلى الترفع عن المنفعة المادية المباشرة، فلا يرتبط بالنافع مباشرة كما في فلسفة سقراط، كما نجد هذا في الحواريات التي نقلها عنه تلميذه أفلاطون.
والإبل مفيدة بلحمها وركوبها، وهنالك هنيهات تأملية سامية يتجلّى للبصر حينها جمال شكل الإبل، وهذا يدعو إلى تسبيح الخالق، فالشعور بالجمال يتكون بعد إشباع الحاجة المادية، فالظمآن لا يشعر بجمال خرير النهر، كما أن الجائع لا يشعر بجمال الثمار، لأن الجميل يعني إثارة وجدانية

(١) هو محمد بن محمد حجّة الإسلام، فيلسوف متصوف له نحو مائتي مصنف، ولد في طوس بخراسان، ورحل إلى نيسابور، ثم بغداد فالحجاز، فبلاد الشام، وتوفي في طوس سنة ٥٠٥ هـ، ونسبه إلى غزالة اسم قرية بخراسان، من كتبه «إحياء علوم الدين» و «تهافت الفلاسفة» و «المنقذ من الضلال» وله كتب بالفارسية. الأعلام: ٣/ ٩٧٢.
(٢) أبو حامد الغزالي، ١٩٨٦، إحياء علوم الدين، ط/ ١، دار الكتب العلمية، بيروت: ٤/ ٣١٦.
(٣) سورة النحل: الآية: ٦.


الصفحة التالية
Icon