لمشاعر راقية.
وفي منظور الغزالي يتمتع الجمال الموضوعي بصفة الجمال عند ما تحضر فيه الصفات اللائقة به كما خلقها الله عز وجل، إذ يقول: «كلّ شيء فجماله وحسنه في أن يحضر كماله اللائق به الممكن له، فإذا كانت جميع كمالاته الممكنة حاضرة، فهو في غاية الجمال، وإن كان الحاضر بعضها فله من الحسن والجمال بقدر ما حضر- ولكل شيء كمال يليق به، وقد يليق بغيره ضدّه، فحسن كل شيء في كماله الذي يليق به، فلا يحسن الإنسان بما يحسن به الفرس» «١».
وهذا يذكّرنا بتأليف الأعضاء كما جاء عند الجاحظ، فالجمال متفاوت، لأن هناك نسبا مختلفة في حضور الصفات الجميلة، وهذا يصل بالغزالي إلى أن الكمال لله وحده، إذ يقول: «وأما كل مخلوق فلا يخلو عن نقص وعن نقائص، بل كونه عاجزا مخلوقا مسخّرا هو عين العيب والنقص فالكمال لله عز وجل وحده، وليس لغيره كمال إلا بقدر ما أعطاه الله» «٢».
وهذا أيضا يذكّرنا بفيض الحسن من الخالق على المخلوقات، كما ورد عند أبي حيان التوحيدي.
وبما أن المقصد من ذكر حب الجميل أخلاقي ديني عند الغزالي، فإنه لا ينسى أن يذكر الجمال المعنوي، إذ يقول: «إن الجمال والحسن موجود في غير المحسوسات، إذ يقال: هذا خلق حسن وهذا علم حسن، وهذه سيرة حسنة، وهذه أخلاق حسنة، وشيء من هذه الصفات لا يدرك بالحواس الخمس بل يدرك بنور البصيرة الباطنة» «٣».
فالجميل عند الغزالي مطلق، وهو الخالق عزّ وجلّ، ومنه يفيض الجمال على الأشياء، وجمال موضوعي محسوس يعتمد على الحواس، وجميل معنوي يعتمد على البصيرة، كحبّ العلماء والعلم والطاعات والأخلاق
(٢) أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين: ٤/ ٣٢٢.
(٣) المصدر نفسه: ٤/ ٣١٦ - ٣١٧.