مِمَّا تُحِبُّونَ «١».
فواضح أن الآية الأولى قريبة من بحر الرّمل، وأن الثانية قريبة من البحر الكامل. وتمثل الآية الثالثة أربع تفعيلات من بحر الرمل فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتن، وهذه التسمية موجودة مثلا في كتاب بديع القرآن، وكتاب الفوائد» «٢».
وهي نظرة منهم غير مقبولة إذ لا يخلو أي كلام من تفعيلات البحور الشعرية، ثم إن الموسيقا الداخلية لنسق القرآن في غنى عن التفعيلات.
وقد جاء في تعريف الانسجام في النقد ما ينطبق على فكرة التلاؤم، كما جاءت عند علمائنا القدامى، يقول حامد عبد القادر: «أصحاب المذهب الموضوعي يرون أن منشأ الجمال هو الاتساق والانسجام في الألوان والأشكال والأساليب والنّغمات، سواء أكان ذلك الانسجام طبيعيا أم صناعيا، وأساس الانسجام هو الوحدة مع التّعدّد، أي اجتماع عناصر مختلفة وائتلافها بحيث تكون وحدة مترابطة الأجزاء متناسقة العناصر» «٣».
ويحسن هنا أن نبيّن جذور فكرة الانسجام قبل أن نصل إلى ابن سنان، فقد نظر الجاحظ إلى اللغة العربية، ووجد أنّ جمال الانسجام يتجلّى في شكلين:
في انسجام الكلمات فيما بينها، وفي انسجام حروف الكلمة الواحدة، يقول:
«ومن ألفاظ العرب ألفاظ تتنافر، وإن كانت مجموعة في بيت شعر لم يستطع المنشد إنشادها إلا ببعض استكراه، فمن ذلك قول الشاعر:
وقبر حرب بمكان قفر... وليس قرب قبر حرب قبر
وأجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء سهل المخارج.. وكذلك حروف الكلام وأجزاء الشعر من البيت تراها متّفقة لمسا، ولينة المعاطف سهلة، وتراها

(١) سورة آل عمران، الآية: ٩٢.
(٢) انظر ابن أبي الإصبع، بديع القرآن: ١٦٦، وابن قيم الجوزية، الفوائد: ٢١٩.
(٣) عبد القادر، حامد، ١٩٤٩، دراسات في علم النفس الأدبي، ط ١، المطبعة النموذجية، القاهرة: ١٠٣.


الصفحة التالية
Icon