مختلفة متباينة، ومتنافرة مستكرهة تشقّ على اللسان وتكدّه» «١».
وهذا يعتمد على طبيعة حروف الكلمة التي تتّفق، أو تختلف مع حروف الكلمة المجاورة، ثم يقول الجاحظ: «فهذا في افتراق الألفاظ، فأما افتراق الحروف، فإنّ الجيم لا تقارن الظّاء، ولا القاف ولا الطاء ولا الغين بتقديم ولا تأخير، والزاي لا تقارن الظّاء ولا السّين ولا الضّاد ولا الذّال بتقديم ولا تأخير» «٢».
وهذا يدل على أن العرف اللغوي المعتاد يندر فيه الثّقل الناجم عن تنافر بين المخارج، وذلك لأن مخرج الجيم بين اللسان وبين الحنك الأعلى، ومخرج الظاء بين أطراف الثّنايا وبين طرف اللسان، ومخرج القاف أوّل الحلق، ومخرج الطاء طرف اللسان، وأصول الثّنايا، فالمخارج متقاربة.
ويبدو أنّ هذا الاستهجان للثقيل الوعر كانت له دواعيه الناتجة عن استيفاء علماء اللغة قديما لمفردات كلّ القبائل، مما جعلهم يقعون على رصيد لا بأس به من ألفاظ وعرة خشنة، فجاء الأدباء لينفّروا الناس منها.
وبعد أن بيّنا وفق نظرة الجاحظ أن الذوق السليم يميل إلى سهولة المخارج، لا بدّ أن نتعرض لما ذكره الرماني، فما ذكره جدير بالانتباه، لأنه دلّ على سهولة المخارج في القرآن بشكل خاص، يقول: «والسبب في التلاؤم تعديل الحروف في التأليف، فكلّما كان أعدل كان أشدّ تلاؤما، وأما التنافر فالسبب فيه ما ذكره الخليل «٣» من البعد
الشديد أو القرب الشديد. والفائدة في التلاؤم حسن الكلام في السمع، وسهولته في اللفظ، وتقبّل المعنى له في النفس، لما يرد عليها من حسن الصورة، وطريق الدّلالة» «٤».
(٢) الجاحظ، البيان والتبيين: ١/ ٣٩.
(٣) هو الخليل بن أحمد الفراهيدي صاحب معجم «العين» توفي في ١٧٠ هـ، وهو أستاذ سيبويه، ومن كتبه أيضا «العروض» و «معاني الحروف» و «تفسير الحروف» و «النقط والشكل» انظر طبقات النحويين واللغويين للزبيدي ص/ ٣٤ وانظر الأعلام: ٢/ ٣١٤.
(٤) الرمّاني، ثلاث رسائل في الإعجاز: ٨٨.