في المنظر أحسن من الألوان المتقاربة» «١».
وفكرة الوحدة في التنوع واضحة هنا، لكنه لا يستشهد بالقرآن، بل يربط هذا الأساس بشيء آخر، وهو ترتيب الحروف في الكلمة بما يناسب جهاز النطق بدءا من الحلق حتى الشّفاه، ويستشهد لهذا بكلمات جذرها عذب، إذ يقول: «فإنّ السامع يجد لقولهم العذيب اسم مكان، وعذيبة اسم امرأة، وعذب وعذب وعذبات وليس سبب ذلك بعد الحروف في المخارج فقط، ولكنّه تأليف مخصوص مع البعد، ولو قدّمت الذّال أو الباء لم تجد الحسن على الصّفة الأولى في تقديم العين» «٢».
وكأن الأمر مجرّد استحسان «عذب» لبدء الحلق بنطق العين، ثم نطق الذّال بين الأسنان وبين الثّنايا، ثم نطق الباء في الشفاه، وهذا النظام لا يطّرد بالتأكيد في كل المفردات، فكلمة «جمع» فيها عودة من الشّفاه إلى الحلق.
وإذا كان استشهاده جزئيا، وكانت نظرته مبتورة في مجال الكلمة العامّة، فإن المفردة القرآنية لا تحظى بتحليل، بل يكتفي بأن يعترف لها بالتلاؤم والسّهولة، كما اعترف بهذا للسان العربي القديم، ويظنّ أنّه خشي مزالق نظرته إن طبّقها على المفردة القرآنية، فتنكشف له تمحّكاتها، وفذلكتها.
ومما يستغرب هنا أن يظنّ شوقي ضيف أنّ ابن سنان نهل من علم التّجويد هذه اللمسات الصوتية الرائعة، وبالرغم من ذلك فإننا لا نجد خاصية بالصوت القرآني، أو معيارا لغويا صحيحا، يقول شوقي ضيف: «وأكبر الظّن أنه انتفع في ذلك كلّه مما كتبه علماء تجويد القرآن من مباحث قيّمة» «٣».
ومما يؤكد عدم استفادته من علم التجويد، أنه لم يدرك تماثل مخرجين وتقاربهما في حالة إدغام حرف بحرف، ونحن لا نتصور أن ابن سنان يجهل تقارب المخارج بل تماثلها في الإدغام، لكنه تجاوز هذا الواقع اللغوي لإقرار الجميع بعدم ثقله.
(٢) المصدر نفسه، ص/ ١٥٢.
(٣) ضيف، د. شوقي، البلاغة تطور وتاريخ، ص/ ١٥٢.