ولم يأخذ دارسو الإعجاز في عصرنا برأي ابن سنان في جمالية تباعد المخارج، وقد أشاروا إلى سهولة المخارج في القرآن، بينما ردّوا عليه بأقوال عامة مثل قول البيومي في «البيان القرآني»: و «إذا كان من أسباب الغرابة البلاغية ثقل النّطق كما مثلوا لذلك قول القائل: «تكأكأتم عليّ فافرنقعوا» مما اقتربت فيه مخارج الحروف إلى حدّ يدعو إلى الثّقل، فليس في القرآن إلا ما هو سهل المخرج من الألفاظ» «١»، وهذا الكلام يحتاج إلى تطبيق عملي.
وإذا كنا نوافق على نظرة ابن سنان، ونعترف في الوقت نفسه، وبلا تمحيص بسهولة نطق القرآن، فإننا لا نفهم سرّ السهولة في كلمات تكرّر فيها الحرف نفسه، وليس التقارب فقط، وهكذا يمر المرء بالمخرج مرّتين في كلمة واحدة، ومثل هذا في قوله عزّ وجلّ: ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ «٢»، حيث يوجد كافان، وقوله عن الحيوانات: أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ «٣»، وقوله: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ «٤»، وعلى لسان مريم العذراء عليها السلام: لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ «٥» فقد تكررت السين.
وإذا كان التّكرار في ذهن ابن سنان مجرّد صوت واحد، فهناك أمثلة كثيرة من القرآن حول التقارب بين المخارج، ومن ذلك لقاء القاف والكاف في قوله عزّ وجلّ: وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَما تُوعَدُونَ «٦».
نظرة ابن الأثير:
لعلنا نجد في ردّ ابن الأثير على الخفاجي ما يكون مرتكزا لنا في رفض جمالية تباعد المخارج، خصوصا أن ما أوردناه من آيات لا تسير وفق بعد العين
(٢) سورة المدّثّر، الآية: ٤٢.
(٣) سورة الأنعام، الآية: ٣٨.
(٤) سورة النّساء، الآية: ٧٨.
(٥) سورة آل عمران، الآية: ٤٧.
(٦) سورة الذّاريات، الآية: ٢٢.