عن الذال والباء، كما أراد، وقد بين ابن الأثير ردّه من خلال مفردات اقتربت فيها المخارج، وعلى الرغم من ذلك لا ينفر منها السّمع، ومعياره ذوقي خاضع للتّجربة الحسّية المستوفية: «إن حاسّة السمع هي الحاكمة في هذا المقام بحسن ما يحسن من الألفاظ، وقبح ما يقبح.. على أن هذه قاعدة شذّ عنها شواذّ كثيرة، لأنّه قد يجيء في المتقارب المخارج ما هو حسن رائق، ألا ترى أن الجيم والياء والشين مخارج متقاربة، وهي في وسط اللسان بينه وبين الحنك، وتسمّى ثلاثتها الشّجريّة، وإذا تركّب منها شيء من الألفاظ جاء حسنا رائقا، فإن قيل: جيش كانت لفظة محمودة» «١».
ويستشهد ابن الأثير كذلك بلفظة «بفم» لكونها مركبة من ثلاثة أحرف شفوية، إلا أنّه يتبع ابن سنان في جمال التّرتيب، فيقبّح ملع، ويستحسن «علم»، لأنّ مخرج العين الحلق، ومخرج الميم الشفاه.
وتصديقا لردّ ابن الأثير نورد كلمات قرآنية مثل «استجيب، أجيبت، أجيبوا، وغيرها وكلمة «جيدها» في قوله تعالى: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ «٢»، والجيم والياء مخرجهما بين اللسان وبين الحنك الأعلى إلا أنّ حرف الياء حرف ليّن رخو، والجيم شديد، وكذلك حرف الشين مهموس والجيم مجهور «٣».
فثمّة تلاؤم من جهة أخرى، نقصد بذلك صفات هذه الحروف من حيث الشّدة والرّخاوة، والجهر والهمس، وهذا ما لم ينتبه إليه كلّ من ابن سنان وابن الأثير «٤».
إن هذه الجمالية الصوتية، لم يتناولها الكثير، فلم تحظ بأدنى اهتمام لدى الدارسين بعدهما، إلّا ما أشار إليه الزّركشي بصدد ذكره للآية: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي ما أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ

(١) ابن الأثير، المثل السائر: ١/ ١٥٢.
(٢) سورة المسد، الآية: ٥، المسد: الليف.
(٣) انظر ابن جني، سر صناعة الإعراب: ١/ ٥٠.
(٤) انظر ابن سنان الخفاجي، سر الفصاحة، ص/ ٦٧، وابن الأثير، المثل السائر:
١/ ١٥٢.


الصفحة التالية
Icon