إِلَيْكَ «١»، ولم يهتم بهذا على الوجه الذي ابتغاه ابن سنان، إن هي إلا إشارة واحدة في كتابه، يقول: «قد يقال كيف توخّى حسن الترتيب في عجز الآية دون صدرها؟ والجواب أن حسن الترتيب منع منه مانع أقوى في صدر الآية، وهو مخافة أن يتوالى ثلاثة أحرف متقاربات المخرج، فلذلك حسن تقديم المفعول الذي تعدّى الفعل إليه بالحرف على الفعل الذي تعدّى بنفسه» «٢».
وإذا كان مخرج الياء يبتعد عن مخرجي الطاء والتاء، فإنّ النغمة الصوتية للطّاء تظلّ مختلفة عن نغمة التاء، فالطّاء حرف مجهور، والتّاء حرف مهموس، وإشارة الزّركشي هذه تنفي الولاء لنظرة ابن سنان في الوقت نفسه، والسبب- كما يبدو لنا- وهاء الحجّة.
اتخذت هذه الجمالية سيما الإيجاب لدى الرمّاني وابن سنان، وسيما السّلب لدى ابن الأثير، ولكنّ رفض هذا الأخير ضلّ عالقا بمعيار الذوق، ولم يؤطّر بمنطق العلم.
وفي العصر الحديث يؤكّد الرافعي مسألة الانسجام، ليس بين الحروف فقط، بل بين صفات هذه الحروف، فالعذوبة عنده: «لترتيب حروفه باعتبار من أصواتها ومخارجها، ومناسبة بعض ذلك لبعضه مناسبة طبيعية في الهمس والجهر، والشّدة والرّخاوة، والتفخيم والترقيق، والتفشّي والتّكرير» «٣».
وتأكيدا لهذا الانسجام الذي ندعو إلى منهجه مع الرافعي، نذكر قوله تعالى:
وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ «٤»، فالطّاء حرف إطباق شديد، واستعلاء وجهر، أمّا الشين فهو حرف همس ورخاوة وانفتاح، إنّه انسجام بين الصّفات.
وإذا كان حرفا النّون والرّاء متقاربين مخرجا لخروج النون من طرف اللسان والثّنايا، والرّاء كذلك مخرجه أول طرف اللسان والثنايا، فإنّ كليهما من حروف الذّلاقة، والتأليف بينهما أسهل من التأليف بين الحروف المصمتة،
(٢) الزركشي، البرهان: ٣/ ٤٣٣.
(٣) الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن، ص/ ٢١٥.
(٤) سورة الشّعراء، الآية: ١٣٠.