السمعي، كما هو الحال عند ابن الأثير، كأن يتلو السّين حرف الشين، وكلاهما مهموس ومخرجهما واحد، فتتعب عضلات النّطق في إخراجهما متتاليين، وهنا يتضح لنا أن الغرابة يقصد بها عدم تآلف السّمع مع أصوات كلمة ما، فينبذ هذا التشكيل.
وإذا عدنا إلى بعض مفردات القرآن الكريم التي ورد فيها حرفان متماثلان مثل السين في الآية السابقة: لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ «١» وكلمة «سلككم»، وكلمة «أمم» نجد أن السّين الأولى في «يمسسني» مفتوحة والثانية ساكنة، والكاف الأولى في «سلككم» مفتوحة والثانية مضمومة، والميم الأولى في «أمم» مفتوحة والثانية مضمومة، ونؤكّد السهولة في كلمة «رزقكم» من خلال أن نغمة القاف غير الكاف بالرغم من وجود الضمة على الاثنين.
ويقول إبراهيم أنيس في أهمية الحركات في هذا المقام: «لمعرفة ثقل الحروف في تواليها يجب أن نذكر دائما أن المجاورة بين الحرفين، يجب أن تكون مباشرة، فلا يفصل بينهما بحرف أو بحركة» «٢»، وهذا غير موجود في العربية.
لقد كان يجدر بمن تناول هذه الجمالية، وحكّم بعد المخارج في الألفاظ القرآنية وغيرها، أن ينتبه إلى أن اللغة العربية المستعملة، أو كما يقال «الكلام» العربي- وهو الجزء اليومي المستخدم والمنتزع من المخزون اللغوي الكلّي- كان يميل إلى الصّفاء، والبعد عن الوعورة، وهذا ما ورد على ألسنة فصحاء العرب، فكيف إذا تأكدنا من أن كلمات القرآن الكريم انتقائية صوتية مهذّبة من لغات القبائل العربية، وأكثرها من قريش، فقد أخذ القرآن ما كان نافعا، ونبذ ما كان زبدا.
وعلم اللغة الحديث يؤكّد أنّ اللغات جميعها، قلّما تشتمل على أصوات متنافرة، يقول إبراهيم أنيس: «إن اللغات في أحدث صورها تكاد تخلو من المجموعات الصوتية المتنافرة التي تتعثّر في نطقها الألسنة، مثل الكلمات التي
(٢) أنيس، د. إبراهيم، ١٩٧٢، موسيقا الشعر، ط/ ٤، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة ص/ ٢٨.