يصفها علماء البلاغة بتنافر الحروف مجتمعة كالهخع ومئتشزرات» «١».
ثم ما الذي يدعونا إلى تصور قلب كلمة علم وعذب إلى العكس لنجد قبحا لا سبيل الآن إلى وجوده، وذلك ما دمنا قد عرفنا «علم» ولم نعرف «ملع» ويبدو أن هذه الخاصية كانت من دواعي التّرف الذهني والتعلّق بالشكل، كما هي الحال في مسألة طول الكلمات كما سنجد.
لقد استطاع ابن الأثير بما ذكر من أمثلة أن يبطل نظرية ابن سنان، إلا أن الأمر ظلّ يفتقر إلى لمسات الرافعي الذي يبني نظرته على صفات الحروف، وهذا وليد التدبر العميق للكلمات القرآنية، مما يكشف جماليات موسيقية، ولم يعتمد الذوق الشخصي، بل حكّم طبيعة الحروف.
وإن القراءة الدقيقة لآيات القرآن الكريم تؤكد أنّ السهولة نابعة من الانسجام، ولا يقتصر هذا الانسجام على تباعد المخارج، بل هناك الحروف والحركات، وصفات الحروف هي المعوّل عليه هنا، وإن الانسجام يحصل بين تلاقي هذه الصفات، وليس بين مخارجها قبل النّطق بالحرف.
ويبدو أن الذوق الفطري كان عند الجاحظ هو الذي يرفض التنافر، لنبوّ المسموع على الآذان، ولم يخطئ هذا الذّوق الفطري، الذي ارتبط لدى الدارسين بعده بما أفادوه من الثقافة الصوتية السابقة، مثل ما جاء في مقدمة كتاب العين، وبداية سر صناعة الأعراب لابن جني، إذ درس الخليل مخارج الأصوات، وكذلك صنع ابن جني، وراح يشبّه المخارج بالناي، وهذا مما ينظر إليه بإجلال، إلا أن ما أفاده البلاغيون من هذه الدراسات لم يكن لائقا أحيانا.
ونحن نقول هذا مع إقرارنا التام بأن القرآن نفسه كان حافزا قويا على الدراسات الصوتية التي تهدف إلى تجويد نطق القرآن، وإلى حسن أدائه «٢».
(٢) انظر أبو مغلي، د. سميح، ١٩٨٦، جهود علماء العرب في الأصوات اللغوية، مجلة الفيصل، السعودية، العدد ١٠٨، السنة التاسعة، شباط ص/ ٣٣.
وراجع ابن جني، سر صناعة الإعراب: ١/ ٥٠ - ٦٥.