٢ - المفردات الطويلة في القرآن
- نظرة ابن سنان:
لفت نظر ابن سنان وجود كلمات طويلة، كثيرة الأحرف في الشعر العربي، فراح يتّخذ من طولها مقياسا لقبح المفردات، فاستهجن ما يطول من الكلمات في الشّعر، وهذه الخاصية الفنية جزء من الفصاحة المتعلقة بالنّظم الموسيقى بشكل عام، وهذا الجنوح للتفتيش عن كلمات طوال يبدو أنّه من دواعي التعلق الشّكلي بالمفردات.
والمفردة تتخذ بعدا بصريا في حجم المشهد الذي ترسمه، كما أنها تتّسم بحيّز زمني متعيّن في عدد مقاطعها، وقال برتيليمي: «وقد عرّف أو غسطين الموسيقا بأنها علم الحركة، والحركة تضم الزمن إن هي ضمّت فكرة العدد» «١».
ومن خلال هذا التعريف صار بالإمكان إطلاق اسم «التنسيق الزمني» «٢» على هذه الخاصية، من حيث إن عدد المقاطع شبيه بالسلّم الموسيقى.
بدأت تظهر بذور هذه الفكرة لدى ابن سنان الخفاجي الذي خصّص في كتابه «سرّ الفصاحة» بابا لجمال المفردة، وآخر لجمال التركيب، وكأنّما كانت سعة الباب الأول المتعلق بالمفردة تسمح له بدراسة هذه الخاصية الدّالة على ترف ذهني، وهذا طبيعي في كتاب يدرس المفردة، ويقسم جماليتها إلى عشرة أقسام، فلا ضير في وجود قسم لطول الكلمات، تنثر فيه تمحّلات وتعليلات، القرآن الكريم غنيّ عنها، وهو يدرس هذا في مجال الأدب فقط، ورأينا أن ندرسها لاستكمال البحث، ولاكتشاف معالم جمالية فيها.
فالقسم السابع من فصاحة المفردة أن تكون قليلة الأصوات، يقول ابن سنان: «والسابع مما قدّمناه، أن تكون الكلمة معتدلة غير كثيرة الحروف، فإنّها
(٢) ورد هذا المصطلح عند عز الدين إسماعيل في الأسس الجمالية، ص/ ١٧٥.