متى زادت على الأمثلة المعتادة قبحت، وخرجت من وجوه الفصاحة» «١».
- نظرة ابن الأثير:
وإذا كان ابن سنان يعيب طول الكلمات، فإنه لا يرجّح جماله في القرآن، وقد أشار ابن الأثير إلى جمال طول مفردات القرآن كما سنرى، وحدود الجمال لا تظهر عنده بذكر عدد الأحرف في المفردة، بل يستهجن ما جاء في بعض الشّعر، وكأنه يرى أنّ طول النّفس في نطق معنى يسبّب جهدا عضليّا لأعضاء النّطق يصحبه ملل غير خفيّ، والحقّ أنّ سماع كلمات القرآن ينفي هذا.
وإذا استطلعنا بعض الآيات الكريمة وجدنا مفردات ذات أحرف كثيرة، مثل: «نستدرجهم» من قوله عزّ وجلّ: سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ «٢»، و «نلزمكموها» من قوله عزّ وجلّ عن عناد قوم نوح عليه السلام ورفضهم للإيمان: أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ «٣»، وكذلك قوله: وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ «٤»، وكلمة «أسقيناكموه» من قوله تعالى عن المطر: فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ «٥» وفي قوله تعالى على لسان فرعون مهدّدا: لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ «٦»، وغيرها من الكلمات الطوال، فإنّ هذا يدحض نظرية ابن سنان.
لقد نظر ابن الأثير إلى مثل هذه الكلمات، وراح يفنّد رأي ابن سنان، وعدّها سلاحا ماضيا لنسف رأيه، وتلمّس جمالها في القرآن من خلال ردّها إلى الأصل الثّلاثي، وإذا طبّقنا رأيه قلنا: إن الأصول الثلاثية هي صلب، سكن، سقى، لزم، درج، وهي أصول مجردة، وكذلك بعض الأصول الرباعية، فالمعيار صرفي لا علاقة له بقضية انسجام المقاطع الصوتية، وسهولة نطق الأصوات، وهو يتبع خطا ابن سنان في استهجان الكلمة الطويلة في الشّعر،
(٢) سورة الأعراف، الآية: ١٨٢.
(٣) سورة هود، الآية: ٢٨.
(٤) سورة إبراهيم، الآية: ١٤.
(٥) سورة الحجر، الآية: ٢٢.
(٦) سورة الشّعراء، الآية: ٤٩.