ولا يرى هذا في القرآن، لذلك يذكر بيت أبي الطيب:

إنّ الكرام بلا كرام منهم مثل القلوب بلا سويداواتها
«١» ولا يحبّذ كلمة «سويداواتها»، إذ يقول عن ابن سنان: «وقال: إنّ لفظة «سويداواتها» طويلة فلهذا قبحت، وليس الأمر كما ذكره، فإن قبح هذه اللفظة لم يكن بسبب طولها، وإنما لأنّها في نفسها قبيحة، وقد كانت منفردة حسنة، فلمّا جمعت قبحت لا بسبب الطّول، والدّليل على ذلك أنّه ورد في القرآن الكريم ألفاظ طوال، وهي مع ذلك
حسنة كقوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ «٢»، فإن هذه اللفظة تسعة أحرف، وكقوله تعالى: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ «٣»، فإن هذه اللفظة عشرة أحرف، وكلتاهما حسنة رائعة، ولو كان الطول مما يوجب قبحا لقبحت هاتان اللفظتان، وليس كذلك» «٤».
فهو يرفض ما ارتكز عليه ابن سنان في فصاحة المفردة، ويستمدّ هذا الرفض قوّته من وجود طوال الكلمات في القرآن، وهو في بداية كلامه يعبّر عن سمة القبيح بذاته في مفردة أبي الطيّب، مما لا يحتاج إلى سبب، وكشف مزايا، ويعبّر عن الجميل بذاته في جمال طوال الكلمات القرآنية، ولهذا يحاول قدر المستطاع الاستناد إلى معيار به يقبل، وبه يرفض، فيقول: «ألا ترى أنه لو أسقط من لفظة «سويداواتها» الهاء والألف اللتين هما عوض عن الإضافة، لبقي منها ثمانية أحرف، ومع هذا، فإنّها قبيحة، ولفظة «ليستخلفنّهم» عشرة أحرف، وهي أطول منها بحرفين، ومع هذا فإنّها حسنة رائعة، والأصل في هذا الباب ما أذكره، وهو أنّ الأصول من الألفاظ لا تحسن إلا في الثّلاثي، وفي بعض الرباعي، كقولنا: عذب وعسجد، وأما الخماسي فإنه قبيح» «٥».
وقد تدارك الأمر فنبذ تقويم الجميل بذاته، والقائم على المثالية الغامضة، وراح يقرّر الجمال الموضوعيّ الذي يتعيّن في نسب المادّة وشكلها، وهذا
(١) أبو الطيب، العرف الطيّب، شرح ديوان أبي الطيّب لناصيف اليازجي ط/ ٢، دار القلم، بلاتا، بيروت، ص/ ١٩٢.
(٢) سورة البقرة، الآية: ١٣٧.
(٣) سورة النّور، الآية: ٥٥.
(٤) ابن الأثير، المثل السائر: ١/ ١٨٨.
(٥) المصدر نفسه: ١/ ١٨٨.


الصفحة التالية
Icon