ومما يسترعي الانتباه، ويؤكّد عدم اهتمام الدارسين بهذا الأمر أنّ ابن الأثير ثم يحيى العلويّ، وأخيرا الرافعيّ لم يذكروا غير هذين الشاهدين، أحدهما بعشرة أحرف، والثاني بتسعة أحرف، مع أن الكلمات ذات الأحرف العشرة، كثيرة في القرآن، وقد ذكرنا بعضا منها قبل قليل.
ومن المعروف أن المفسّرين اهتموا بجلاء المعاني، وما يتضمّنه من التصوير بفروعه لتوصيل المعنى، فكانت نظراتهم منصبّة في مضمون المفردة أكثر من شكلها.
ومما ينوّه به هنا أنّ المقطع الأول من كلمة «فسيكفيكهم» طويل إلّا أنّه يتمتّع بتوالي الفتحات، ومع الفتحة تنفرج الشّفتان مما جعل نطق الكلمة سهلا، ولو أن الرافعي استشهد بكلمة «أسقيناكموه» لوقع على كلمة ذات أربع مقاطع أيضا.
ويؤخذ عليه أنّه لا يقدّم تحليلا صوتيا يسير فيه بدقّة مع القارئ، ليفسّر له عملية نطق المقاطع، فكلامه لا يشرح في ضوء العلم، ليكون ثابتا بعيدا عن الذّوق المبهم، ويكفيه فخرا هذا التّغلغل في استنتاج أهمية المخارج، وخفّة المقاطع، بدلا من الوقوف عند العدد، فكأنما المدّ لم يضف فصاحة على مفردة أبي الطيب المتنبي، لتقارب مخارج الواو والياء والألف، فهي حروف ليّنة، وليست العذوبة في توالي الحروف الرّخوة، فهذا بعيد عن فنّ البيان القرآني الذي يهتم بالانسجام، فقوّة حروف «لأصلّبنّكم» ملائمة للمعنى، وسهلة النّطق.
والرافعي يوافق ابن الأثير الذي اتّخذ الأصول الثلاثية والرباعية مقياسا لجمال المفردة الطويلة، ولكنه لا يكتفي بهذا فهو يقول: «وهذا إنّما هو الألفاظ المركّبة التي ترجع عند تجريدها من المزيدات إلى الأصول الثّلاثية أو الرّباعية، أما أن تكون اللفظة خماسيّة الأصول، فهذا لم يرد منه في القرآن شيء، لأنّه مما لا وجه للعذوبة فيه، إلّا ما كان من اسم عرّب، ولم يكن في الأصل عربيا، كإبراهيم وإسماعيل وطالوت وجالوت، ونحوها، ولا يجيء به