مع ذلك إلا أن يتخلّله المدّ كما ترى، فتخرج الكلمة وكأنّها كلمتان» «١».
ولولا ذكره المدّ لوصم كلامه بالقصور، لأن القرآن عربي على أية حال، أو وصم بالجمود عند رأي ابن الأثير، لكنه أردف هذا الرأي بأهمية الجمال السّمعي المتعيّن في المدود، ولا يقتصر الأمر على المدّ فحسب، بل هناك موضع الكلمة في التركيب، وقد وردت أسماء ليس فيها مدّ مثل «اليسع» في آيات الأنعام: وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً، وَكلًّا فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ «٢»، فالمدّ ليس شرطا دائما من شروط الفصاحة. كما أن الألف في «بعاق» لا يستلزم إقرارا بعذوبتها.
لقد استقبح ابن سنان الكلمات الطويلة في الشعر، ولعلّه استقبح هذا لحصول الكلمة على أكثر من تفعيلة في وزن البيت الشّعري، إلّا أنّنا رأيناه يستقبح مجرّد الطّول، ثم جاء
ابن الأثير، ورفض هذه النظرة لمجرّد وجود كلمات طويلة في القرآن، ولاعتماده على جذور الكلمات، ثم جاء الرافعي، وبنى نظرته على البنية الداخلية للمفردة القرآنية، فوجد أنّ الكلمات الطّوال تتمتّع بكثرة المدود والسّكنات مما يجعلها مقاطع، إلا أنه يوافق ابن الأثير في مسألة جذر الكلمة الطويلة، وتعدّ نظرة الرافعي أكثر وضوحا لارتباطها الكلي بطبيعة تشكيل المفردة.
وقد وجدنا أنّ التعلّق بهذه السّمة يدلّ على ترف ذهني، وأنّ القدامى لم يعيروا هذه السّمة اهتماما كبيرا إلّا ما كان من القلّة منهم، ونحن لا نريد أن نعدّ حروف كلمات القرآن، بل نريد وقعها على الآذان، وملاءمتها للمقام، ومخزونها الوجداني، ولهذا ربطنا طول الكلمة القرآنية بطبيعة الحروف، وبتوزيع الحركات، وبيّنا علاقة هذا بمضمون الآية كلّها، وكذلك بيّنا قيمة الصّيغة الجمالية، وتفرّد هذه الصّيغة بمعان سامية، ودلائل فنيّة رفيعة من اختزان المعاني الكثيرة، ومواءمة الموقف.
(٢) سورة الأنعام، الآية: ٨٦.