يحتوي المضمون ويتّحد به، وبحيث لا ينفصمان، وما الإعجاز البياني إلا الشكل الراقي لدعوة البشر إلى الحق.
ويمكننا أن نقول إن الجميل في القرآن هو كلّ ما ترتاح إليه النفس بعد مروره بالحواس، وذلك في الطبيعة والحياة الاجتماعية، وفق ما يقتضي الخير والشر من مظاهر وعلاقات إنسانية، وذلك بالإضافة إلى جمال الأفكار والمشاعر الذي ينسكب في الباطن، ويحدث لذة جمالية معنوية وفق طبيعة النفس الإنسانية كما فطرها الخالق عز وجل.
والجميل في القرآن كل ما يخاطب المشاعر، وما يتصف بمعنى المؤثّر في أرقى أشكاله، إن في تصوير ما ترتاح إليه العين والأذن، أو في ما ينفّر عنه التصوير من خلال دقّة بارعة لتصوير القبيح، كما في رسم مشاهد الكفار، ولذلك نقول: إن الغائية الأخيرة في الجمال القرآني غائية دينية، هي هداية البشر بالترغيب والترهيب، وإن هذه الغائية تعتمد على فنون اللغة بغناها، وتبثّ فيها روح السموّ، فالقرآن معجزة بيانية.
ولا بدّ هنا من توضيح المقصود من كلمة، «مفردة»، فهي ذلك الكائن الذي يساهم في الفن القولي في أسلوب القرآن، وهو موضوع البحث، ولا ترادف مصطلح الكلمة، لأن الكلمة قد تعني أحيانا كل العمل الأدبي، فهي أداته الفنية، كما أن النغمات أداة الموسيقا، وتعني بالتالي المادة التي ينسج منها النصّ، وهي تشتمل حسب تقسيم النحاة على الاسم والفعل والحرف، إلا أن الحروف تخرج عن نطاق هذا البحث، لأنها أعلق بمسألة النظم أي ما يربط بين المفردات، وقد أفاض الجرجاني في هذا.
فالمفردة تعني الاسم، وتعني الفعل حين يرتبط الاسم بعامل زمني معيّن، ويدلنا المعجم على أن المفردة تلتقي مع الفرد والإفراد والمفرد والفرديّة والجوهرة الفريدة والانفراد، وتدل على العدد واحد، وهذا كله نقيض التثنية والجمع، يقول تعالى على لسان النبي زكريا عليه الصلاة والسلام: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ «١».