ولم يتخلّص من غموض ابن الأثير، إذ لم يشر إلى طبيعة النّبر القوي في الضّاد من كلمة «الضّفادع»، واكتفى بمصطلح الشّدّة وكثرة الأحرف، والضّاد من حروف الإطباق والجهر، وقد تلاه حرف الفاء الشّفوي بشدّته.
وإن عدم إشارته إلى الطبيعة النّغمية للضّاد جعله يعيد حكم السابقين في جمال إفراد الأرض، وقبح جمعها، ويتّضح هذا في قوله تبارك وتعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ «١»، فلم يذكر البيان القرآني «أرضون»، يقول الرافعي: «ولم يقل سبع أرضين، لهذه الجسأة التي تدخل اللفظ، ويختلّ بها النظام اختلالا» «٢».
ومما لا شكّ فيه أن وجود الضّاد في «أرضين»، أخفّ من وجوده في «الضّفادع» لوجود مدّ الياء بعد الضّاد، وقبله الكسرة، إنما الأمر يعني غرابة المفردة فيما يبدو لنا، وهذه الغرابة لا يتطلّبها مضمون سياق الآية، حتى تكون الغرابة الصوتية موائمة لغرابة المعنى أو الموقف.
ومما يؤكّد هذا أن البيان القرآني يذكر الأحرف الأربعة الأولى في كلمة أخرى، إذ يقول عزّ وجلّ: أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ «٣»، فهنا ذكرت الهمزة والرّاء والضّاد والياء، ولم تثقل في اللسان.
ولربّما كان للإفراد هنا تفسير علمي ما زال في طيّات الغيب، أو إن نغم التركيب الكلي لا يساعد على ذكر سبع «أرضين» من حيث النّظم الموسيقى، كما رأى الرافعي.
أما من حيث المعنى، فقد كان شائعا بين الناس خلق «سبع سماوات» ولا يعلم أحد بسبع أرضين، فجاءت كلمة «مثلهن» لتنزيح الاستغراب والإنكار عن وجود سبع أرضين، وكأنه يقول: الذي خلق سبع سماوات خلق سبع أرضين، وهو قادر على ذلك من باب أولى.
(٢) الرافعي، إعجاز القرآن: ٢٣٣ وقد ذكر الجاحظ هذا في البيان والتبيين:
١/ ١٤١.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٣٨.