وَلِيًّا «١»، وعلى الرغم من أن سورة مريم مكية، فإن الآية تفوح من كلماتها رائحة البنوّة الإنسانية، فهو يستميل قلب والده، وإضافة إلى وجود تسعة مدود في الآية، فإنّ طبيعة الأصوات الرّخوة تناسب مقام الملاينة، فلم يذكر عزّ وجلّ «يصيبك» بل «يمسّك» للطف فعلها من حيث المسّ فقط، ولهمس السين فيها، وفي المفردات الخاء والحاء في «أخاف» و «الرحمن»، والأحرف الليّنة كالواو والياء.
فإذا جاء ردّ الأب المتغطرس نقرأ كلمات ذات صوت شديد، يقول عزّ وجلّ على لسان آزر: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا «٢»، وجرس «لأرجمنّك» يوحي بوقع الحجارة على الجسم لوجود النون، وهي ترد فيها ثلاث مرات، ومرة مدغمة باللام، فتصير شديدة، والجيم كذلك، ووردت الراء مرتين ساكنة، مما يعطي نبرا قويا مضافا إلى طبيعة هذا الحرف الذي يتكرر في أثناء نطقه.
فيجب أن يتلاءم التشكيل الموسيقى مع طبيعة الموقف الذي يذكره القرآن، وقد قال جويو: «وإذا كان الإيقاع إشارة طبيعية إلى عمق الانفعال، فإنّ هذا الإيقاع يميل إلى أن ينقل الانفعال إلى قلب السامع» «٣».
ونلحظ أن خصوصية تعبيره عن الفن الأدبي تطلّبت كلمة «انفعال» الخاصة بالطبع البشري، ونحن ننزّه الخالق عن الانفعال، ونؤكّد أن تعبير القرآن عن المواقف جاء بإيقاع مناسب، وسوف يتّضح هذا في شواهد عدّة نذكرها في مكانها إن شاء الله.
خلاصة القول: على الرغم من تفصيل ابن الأثير وتنظيره وإطالته في الموضوع فقد بقيت هذه الناحية ذوقية، ولم توضع وفق منهج واضح.

(١) سورة مريم، الآية: ٤٥.
(٢) سورة مريم، الآية: ٤٦.
(٣) جويو، جان ماري، ١٩٤٨، مسائل فلسفة الفن المعاصرة، تر: سامي الدروبي ط/ ١، دار الفكر العربي، القاهرة، ص/ ١٣٩، وانظر أيضا ص/ ١٨٣ من هذا الكتاب.


الصفحة التالية
Icon