من تفعّل، ولهذا كان ذكر النّكاح فيه أكثر» «١».
وقد سبق أن أوضحنا في الفصل الأول أهمية المعنى المبتغى من جمال الشكل في المفردات التي سردها البارزي، والجدير بالذكر أن بعض المعاصرين يقتبسون رأي البارزي، ويزينون به بحوثهم من غير تعليق، حالهم في هذا حال السيوطي الذي يجمع، ولا ينقد في الأغلب.
ولا يمكن أن ندّعي إسراف البارزي وتفريطه في مضمون الكتاب لأجل الحلاوة والخفّة، فهو ينظر باحتياط إلى مجموع القرآن، لأنّه يحترز بكلمة «أكثر» أو «كثر ذكره» تحاشيا للتعميم غير الدقيق، فقد جاء في القرآن قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها «٢».
ومما يسترعي الانتباه رهافة حسّه، فقد رأى أن التشديد يجعل الحرف ثقيلا أو قويا، وخصوصا إذا كان حرف لين، فالقرآن ذكر فعل تزوّج على قلّة.
وقد انتبه البارزي إلى ثقل الشّدّة على الواو، وكذلك يعبّر عن إحساس بالبنية الداخلية، فإن مادة (خلق) تعاد في مخلوق، لكنّه يستقبح الوقوف على القاف بعد مدّ الواو، وكأنه لمس شدّة تسكين الفاء الحرف الشّفويّ الذي يخرج من باطن الشّفة السّفلى وأطراف الثّنايا العليا، ولتفادي النّبر القاسي عند الوقوف عليها كان وجود «خير» لا أفضل.
وكذلك تتعدّى نظرته ماهية الصوت إلى ميزة أخرى، وهي نوعية الحركة، فالفاء قاسية اللفظ في «أفضل» وليست بقاسية في قوله تعالى: وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ «٣»، وذلك لاستراحة الشّفاه مع الكسرة.
وفي الموضع نفسه يرى البارزي أن الاختصار الذي يكون في المجاز، والتطويل الذي يكون في الحقيقة، ما يجعلنا نحبّذ لفظة «آسفونا» في قوله تبارك وتعالى: فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ «٤» فهو يقول: «أحسن من «فلمّا

(١) السيوطي، الإتقان: ٢/ ٢٧٠.
(٢) سورة الأحزاب، الآية: ٣٧.
(٣) سورة الشعراء، الآية: ٨٠.
(٤) سورة الزّخرف، الآية: ٥٥.


الصفحة التالية
Icon