عاملونا معاملة الغضب، أو «فلمّا أتوا إلينا بما يأتيه المغضب» «١».
والحق أن هذه المفردة تنم على سموّ في التعبير عن فواحش هؤلاء القوم، وتتخذ طابعا تهذيبيا يصدر عن الخالق، كما أن مما فات البارزي هنا الجمال الموسيقى في الخفّة التي تحدّث عنها، فيجب أن نعقّب على رأيه بأن هذا الفعل يمتاز بثلاثة مدود، وخفّفت النّون بالمدّ، وكذلك خفّفت الفاء بالمدّ، بالإضافة إلى حرف السين الهامس الدّالّ على الرّقّة.
لقد انتبه البارزي إلى كمية وجود المفردة في القرآن الذي يميل إلى الخفّة، فكان من الجدّة في نظرته هذا الإحصاء الذي احتاط فيه من التعميم المغالط، بيد أنه يخطئ في وقوف مبتور عن باقي السور أحيانا، فليس من المعقول أن يقول امرؤ بخفّة كلمة «تتلو» وثقل «تقرأ» ووجود الثانية في القرآن أكثر.
- ضآلة التوضيح عند المحدثين:
تمنينا مناقشة واحد من المحدثين لهذه الفقرة الواردة في كتاب الإتقان، إذ كان همّهم النّقل الحرفي، ولا شيء فيما بعد أقواس الاقتباس «٢»، ولهذا سوف نتناول في كتب المحدثين ما كان يتّسم بالجدّة والأصالة، لنخفّف عنا مئونة التّكرار والاتكاء في الشواهد والأحكام.
ومن الطبيعي أن نتجاوز عبارات مجملة مثل عذب، وخفيف، ولذيذ، ولم تقتصر على القدامى، فقد وجدت بغزارة عند الرافعي، لأنّها لا تبيّن مواطن الحسن والخفّة، وخصوصا أن العصر الحديث تقوم دراساته النقدية للأدب على تحليل استقطابي لمادة النص، وقد ظلّ الرافعي وقطب يطلقان العبارات البيانية شأن الدارسين الأسلاف، فتمدح الكلمات بأنّها ذات نغم وعذوبة ونسق ولذّة وغير هذا.
ولأحمد بدوي وقفات فاحصة نذكر منها واحدة من خلال المقارنة بغيره،

(١) السيوطي، الإتقان: ٢/ ٢٧٠.
(٢) انظر مثلا الخطيب، د. عبد الكريم: ٢/ ٢٧٥، وانظر شرف، حفني محمد، الإعجاز البياني، ص/ ١٨٩.


الصفحة التالية
Icon