ففي قوله تعالى على لسان فرعون: فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ «١» لحظ المحدثون أن المقصود هنا تسخين الطّين حتى يصبح قرميدا، وذلك من خلال التفاسير، فيصبح الطّين قرميدا أو آجرّا لأجل البناء، يقول بدوي: «هناك لفظتان أبي القرآن أن ينطق بهما، ولعلّه وجد فيهما ثقلا، وهما الآجرّ والأرضون» «٢».
ولا نحب هنا أن نسفّه هذه الإجمالية في الاكتفاء بذكر الثقل، فما يعذر به بدوي أن المفسرين القدامى الذين عنوا بالبيان لم ينتبهوا إلى هذا، فقد جاء في تفسير هذه الآية: «أي اطبخ لي الآجرّ، واتخذه، وإنما لم يقل مكان الطين هذا، لأنه أول من عمل الآجرّ فهو يعلّمه الصّنعة بهذه العبارة» «٣».
ومثل هذا التفسير لا علاقة له بالوجهة الفنية، وقد استبعد الرافعي كلمة الآجر إذ يقول: «ومن الألفاظ لفظة الآجر، وليس فيها من خفّة التركيب إلا الهمزة، وسائرها نافر متقلقل لا يصلح- مع هذا المدّ- في صوت ولا تركيب على قاعدة نظم القرآن» «٤».
ونظرته تتّسم بشيء من التقصير، فنحن نلتمس فيها استثقال الجيم والراء، فالجيم حرف شديد، والراء حرف يميل إلى الشّدّة بفضل تكرّره على اللسان، ولكن الرافعي لا يستوفي ما جاء في الآيات الكريمة من كلمات توالى فيها الجيم والراء مثل «أجر» «تجري» «يجرّه» «مجرمين» وغير ذلك.
وأحيانا يتطلّب مضمون الكلمة هذين الحرفين ليكونا بشدّتهما عونا على تصوير المشهد الذي تعنيه، مثل قوله عزّ وجلّ عن ماء جهنّم: «يتجرّعه ولا يكاد يسيغه» «٥»، ففي
المفردة قسوة حروف في تركيب خاص، لتصوّر هذه القسوة عملية الشرب لهذا الماء المغلي، وليس هذا مما يتطلّب في قول فرعون، وقسوة آجر على كل حال في تركيبها أيضا.
(٢) بدوي، د. أحمد، من بلاغة القرآن، ص/ ٧١.
(٣) النّسفي، مدارك التنزيل: ٣/ ٢٣٧.
(٤) الرافعي، إعجاز القرآن: ٢٣٢.
(٥) سورة إبراهيم، الآية: ١٧.