ونود أن نقول ما الذي يوجب ذكر لفظ آجر حتى نبرر عدم استخدام القرآن لهذا اللفظ؟ ثم إن هذا كلام فرعون حكاه القرآن؟ فما معنى التساؤل؟ ولم لا يكون السبب في تعبير القرآن بالطين هنا العمد إلى مادة تبيّن الضّعف والوهاء يعتمد عليها فرعون في مواجهة معجزات الأنبياء والحقّ الأعظم، وهو الإيمان بالله، وهذا مما يضع فرعون موضع السخرية لدى القارئ أو السامع الذي ترتسم في ذهنه صورة الطين أداة في مواجهة ذلك كلّه.
ويستحسن أن ندرس المفردات التي ذكرها القرآن، وليس ما تجنّبه من مفردات، وهنا ننبّه إلى أن الخفّة لا تكون مع الصوت الرخي دائما، بل تكون أيضا مع الصوت القوي، ولكلّ مقام مناسب، وليست العذوبة في تجنّب أصوات الضاد والجيم والقاف والراء مثلا، وتجنب حركة الضم لكون الفتحة أسهل على الشّفاه، فإنّ ما يحتاج إليه زمن الفترة المكية من تهديد وتقريع يؤكّد وجود أصوات مهيبة تروّع القلوب.
وقد تحدث عبد الكريم الخطيب عن قوة الصوت في القرآن، فراح يرصد الأحرف المتكررة في بعض الآيات، ليستشفّ من ورائها ظلالا فنية، فبعد أن ينقل رأي البارزي سالف الذكر الذي بيّن التفاضل بين تقرأ وتتلو يذكر الآية الكريمة: لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا: إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ، وَنَحْنُ أَغْنِياءُ، سَنَكْتُبُ ما قالُوا، وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَنَقُولُ: ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ «١».
ويقول الخطيب: «فقد اجتمع في الآية الكريمة عشر قافات، ومنها سبعة في المقطع الأخير منها، ومع هذا فأنت ترى ماء الحسن يترقرق على محيّاها والملاحة تقطر من جبينها... واللام قد عارضت حرف القاف فيها، فكانت عدّتها أحد عشر لاما، وقد عرفنا أن اللام من الحروف الخفيفة التي مخرجها طرف اللسان، على حين أن القاف من «أثقل» الحروف نطقا، لأن مخرجها من أقصى الحلق إلى ملتقى الشفتين» «٢».
فقد بيّن أن هناك انسجاما بين الشدة واللين مما يحقق الخفّة على الرغم من قوة القاف، ثم يذكر شاهدا هو الآية الكريمة: قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا، وَبَرَكاتٍ عَلَيْكَ، وَعَلى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ، وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ، ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ
(٢) الخطيب، د. عبد الكريم، إعجاز القرآن: ٢/ ٢٧٧ - ٢٧٨.