أَلِيمٌ «١»، ويقول: «لقد جمعت هذه الآية ثمانية عشر ميما، نثرهم بين كلمات الآية، بل تكاد تحشدهم حشدا في مقطعين، حتى ليبدو المقطع، وكأنه مشكّل من ميمات، والميم وحده حرف «ثقيل» مضغوط، يشدّ عضلات الفم كلّها حتى يؤدّى على هيئة صوت، فكيف به إذا تكرر، ثم كيف يكون ميزانه من الثقل حين يتكرر بهذه الكثرة الكثيرة المتلاحقة؟ وليس هذا النغم المجلجل المتتابع من هذه الميمات إلا أداة يقتضيها المقام من دواعي القوة التي تحيط بالموقف وتظاهره» «٢».
فقد ربط بين قوة الميم والموقف المصوّر في الآية بعد الحديث عن الطوفان واستواء السفينة، وهو يؤكّد هذا في مواضع التهديد من السّور المكية مثل الآية الكريمة: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ «٣»، وهي لازمة موسيقية ترد عشر مرات في سورة المرسلات، كما كانت: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ «٤» لازمة سورة الرحمن.
ويقول الخطيب: «وليس في هذا المقطع نبرة حنان ولا حرف ليّن، إنه بناء من صخر وجلمد، واجتمعت حروفه على هذه الصورة فكانت قذيفة منطلقة، أو شهابا منقضّا، يقع على رءوس المكذّبين» «٥».
ولا شك في أنّ تكرار هذه اللازمة يمثّل اقتحام مفردات صارخة بحروفها وحركاتها الإيقاع الكلّيّ، بما يقوى على السّمع وقعه، وذلك مما يناسب المقام، ولم تكن إشارات المحدثين واضحة كلّ الوضوح، فمثل قول الخطيب قريب من التفسير في ضوء طبيعة الحروف النغمية، وتغيّرات طبيعة الحروف مع بعض الحركات.
ولا بد من إضاءة مديحه لآية المرسلات بذكر قوة التنوين في «ويل» و «يومئذ» ثم وجود الشّدّة على الذال، وحركات الشّفاه في الميم والباء.
والحق أن الخطيب لم يكن بدعا فيما قرّره، إنّما اقتفى أثر الرافعي، لكنه
(٢) الخطيب، د. عبد الكريم، إعجاز القرآن: ٢/ ٢٧٧ - ٢٧٨.
(٣) سورة المرسلات، الآية: ١٥.
(٤) سورة الرحمن، الآية: ١٣.
(٥) الخطيب، إعجاز القرآن: ١/ ٣٧٤.