قصّر عنه في أنّ الرافعي عرّفنا بأدوات القرآن التي يجعلها لتعديل الكفّة، وإيجاد التلاؤم والانسجام، أما الخطيب فلم يفعل ذلك.
وقد أكّد الدكتور نور الدين عتر أهمية الصوت في مراعاة المواقف المصوّرة، وهو لا يظهر هذا في السور المكية، بل في سورة البقرة، إذ يظهر التباين في التشكيل الصوتي بين الحديث عن المؤمنين وبين الحديث عن الكافرين في سورة واحدة، فقد جاء في تفسيره لأوائل سورة البقرة: «ففي الحديث عن المؤمنين تجد المدّات في فواصل الآيات مع الحروف السّهلة ذات الوقع الخفيف على الأذن تعطي الكلام وقعا لطيفا مناسبا للتأثير العاطفي. وفي الغضب والسّخط تجد الحروف قوية الوقع شديدة التأثير، مثل الميم الساكنة في الحديث عن الكافرين، ثم هذه الألفاظ «صمّ، بكم، رعد، برق»، والحركات المتلاحقة ذات الجرس القوي «صواعق، ظلمات» تقرع الأذن بأصداء المشهد المخيف حتى تشترك في الإحساس بما أحسّ به الفكر، وما وقع في القلب» «١».
ونلاحظ فيما ذكره الدكتور عتر مفهوم الشّدة وليس الثّقل، كما أنه دلّ على مواقع الخفّة والشّدة مما يبعد نظرته عن خطل التكهّن، وهو يؤكد أن أصوات القرآن كلّها خفيفة، وهذه الخفّة متفاوتة، ولذلك نستبعد قول الباحثين «حرف ثقيل» ونستبدل به قولنا: حرف شديد، لأن العربية الرفيعة قد استبعدت ما هو ثقيل عن الاستعمال، وجاء القرآن الكريم، واستبعد مفردات أخرى من خلال اختياره للأصوات، فالقاف ليس حرفا ثقيلا، ولن يتعسّر النّطق به، أو يثقل على لسان القارئ، وفي أذن السامع «٢».
ويجب أن ننوّه بأن القدامى لم يكونوا مقصّرين في إحساسهم بالصوت، وإذا كانوا قد أكّدوا رقّة الصوت، فإنهم أحسّوا أيضا بالشّدة الصوتية، وأطلقوا عليها فصاحة وجزالة، إذ كان هذا المصطلح يغلّف الكثير مما ذكره المحدثون، فالإحساس بالرّهبة والشّدة موجود في تأملات القدامى الفنية، بيد أن المصطلح القديم لم يكن يساعد على الكشف الواضح، ولكي لا نبخسهم حقّهم نقول:
إن عدم الكشف هذا لا يقتصر على الأسلاف بل ينطبق على كثير من المحدثين.
(٢) من توجيهات الدكتور المشرف.