ولنورد هنا الحديث النبوي الذي ورد عنه صلى الله عليه وسلّم: «زيّنوا القرآن بأصواتكم» «١»، ولنقرأ شرح هذا الحديث، لنؤكد أن المقصود هو القراءة الصحيحة وفق قواعد التجويد، فقد جاء في شرحه: «الهجوا بقراءته وأشغلوا أصواتكم به، واتخذوه شعارا وزينة لأصواتكم، فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا، وفي أدائه بحسن الصوت وجودة الأداء بعث للقلوب على استماعه وتدبّره والإصغاء إليه.. هذا إذا لم يخرجه التغنّي عن التجويد، ولم يصرفه عن مراعاة النّظم في الكلمات والحروف، فإن انتهى إلى ذلك عاد الاستحباب كراهة» «٢».
فلا نفهم من الحديث الشريف أنّ القرآن يتألف من أصوات رخيّة نديّة فقط، بل يدعو الحديث إلى إعطاء الحروف حقّها من حيث صحّة النّطق، إضافة إلى طبقة صوت القارئ، ففي القرآن حروف رخية وحروف شديدة لا ثقيلة، والتجويد مراعاة دقيقة لما يعدّ نبرا أو تنغيما، ففي قوله تعالى:
وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ «٣» يحدّد علم التجويد القلقلة في القاف، وهذا يساعد على تبيان أهمية المعنى من حيث تصويره بالصّوت، وكذلك مراعاة المدّ الطويل في قوله تعالى: شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ «٤»، فهو يعطي للوقوف على القاف قوة تفيد في تجسيم الموقف.
نخلص مما سبق أن مصطلح الخفّة يشمل كلّ مفردات القرآن الكريم، وأن العذوبة نابعة من قراءة كل مفردة، فليس في القرآن ما يثقل نطقا أو سمعا، إنما وظّفت طبيعة الأصوات لتجسيم المواقف، ومن يقرأ الآيات يتوصّل إلى هذه النتيجة.
وإذا كانت جهود القدامى في مفهوم الرّقة والخفّة تكاد تنحصر في الأصوات الليّنة، فهذا مما يساعدنا في تكميل نظرتهم، ومما لا شكّ فيه أن الانسجام واضح بين أصوات القرآن، فالأصوات الشديدة تتلوها أصوات ليّنة،
(٢) المناوي، عبد الرءوف، ١٩٣٨، فيض القدير في شرح الجامع الصغير، طبعة أولى، المكتبة التجارية، القاهرة: ٤/ ٦٨.
(٣) سورة ق، الآية: ١٩.
(٤) سورة الأنفال، الآية: ١٣.