مفردات القرآن قد أتى عبثا أو مصادفة، إنّما هناك قصد التهذيب الصوتي، كما وجه التهذيب المعنوي.
ولشدة عناية القرآن بالتنغيم نجد أن أغلب فواصله كانت بالميم والنون، والمدّ بالألف أو الياء أو الواو يسبق معظم رويّ فواصله.
- جمالية الحركات:
امتاز ابن الأثير بنظرة فاحصة جعلته يقلّب النظر في جزئيات الكلمة القرآنية، فراح يتحدّث عن جمال الأصوات من خلال مصطلح الخفّة أو العذوبة، لكنّه أضاف شيئا آخر، وهو أن الجمال الصوتي يتعلّق بالصوت، وكذلك بالصّويت، فذكر أن كثرة الحركات الخفيفة تطيب للسمع، وتلذّ في النّطق، وتلك مسألة صوتية دقيقة دلّ بها على ذوقه الرفيع، ورهافة حسّه.
يقول: «ومن أوصاف الكلمة أن تكون مبنيّة من حركات خفيفة، ليخفّ النطق بها، وهذا الوصف يترتب على ما قبله من تأليف الكلمة، لهذا إذا توالى حركتان خفيفتان في كلمة واحدة لم تستثقل، وبخلاف ذلك الحركات الثقيلة... واعلم أنّه قد توالت حركة الضّم في بعض الألفاظ، ولم يحدث فيها كراهة ولا ثقلا» «١».
ويستشهد ابن الأثير لهذا الاستثناء بكلمات قرآنية توالت فيها حركات الضم، كقوله عزّ وجلّ: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ «٢»، وقوله: وَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ «٣»، وهو يريد أن يقول: إن الكسرة والفتحة حركتان خفيفتان، بخلاف الضّمة فهي ثقيلة، وتلك القضية الصوتية تشهد بها عملية نطق الضمة التي يكون فيها انكماش الشّفاه.
وقد عاد إلى سورة القمر ونهل منها شواهده، ولكن المرء يؤكّد فكرة عظيمة تتصل بالعقيدة بمجرّد وجود آية تثبت صحّة كلامه، وهنا يعدّ القرآن
(٢) سورة القمر، الآية: ٤٧.
(٣) سورة القمر، الآية: ٥٢، الزّبر: كتب الحفظة.