الكريم الدليل النّقلي العقلي القاطع، فإذا أراد أن يثبت وجود الملائكة والجنّ يعود إلى آي القرآن، ليتخذ منها براهينه، ذلك لأن العقل لا يشكّ في صحّة كلام القرآن، وسلامته في الوصول إلينا عن طريق التواتر، لكن هذا الاعتماد في الأمور الفنية إجحاف بحقّ القرآن، لأن البلاغة القرآنية وفصاحة كلماته معلّلة من خلال الاستعمال الصحيح والأسلوب الراقي، كما يمكن أن نعلّل وجودها على ما نراه من خلال الفن وسائر المعارف المفيدة.
إن ابن الأثير لا يبيّن سبب كراهة الضّم في الكلمات إلا بالثّقل، فإذا وجدت الضّمة في الكلمات القرآنية بطلت النظرية، وهذا غير مرض وغير مقنع، وتبدو عليه العاطفة الدينية القوية التي توطّرها ذوقية غامضة أيضا، فليست الحجّة مقتصرة على ورود كلمات مثل: سعر وزبر في القرآن.
ويرى يحيى العلويّ في كتابه «الطّراز» أنّ الأولوية لسكون الوسط في الكلمات، وكأنّما كانت تستهويه كثرة المقاطع، أو ما يدعى في علم العروض بالأوتاد، وإذا انتفى وجود سكون الوسط فلا بأس بتوالي حركات الفتح، وإلا فالكلمة ثقيلة مستهجنة، فهو يقول: «فإذا حصل سكون الوسط كان أعدل وأرقّ، وإن توالي ثلاث فتحات فهو أخفّ من الضّم في وسطه، فلهذا كان فرسا أخفّ من عضد، والمعيار في ذلك عرضه على ما قلنا من تحكيم الذوق، ولهذا قد تتوالى ضمّتان، وهو غير ثقيل» «١».
وكأنّما الذوق عند كل من يحيى العلوي وسابقه ابن الأثير شيء معارض للعلم، أو المعرفة الفنية بشكل خاص، فبعد بسط خاصية فنية معلّلة باللغة، يكون في نهاية المطاف مكان للذات لتستخدم الذوق معيارا.
وما يسترعي الانتباه أن صاحب الطّراز يستشهد بالآيتين اللتين ذكرهما ابن الأثير من سورة القمر، ولا يبتعد عن خطاه قيد شعرة، إلا ما كان من رأيه الجديد في جمال سكون الحرف الأوسط، مما يحقق خفّة في النطق.
ولم يهتمّ كلّ دارسي الإعجاز بمثل هذه الجزئيات الفنية، وكأنّما كانوا يخشون مزالق هذا الفن الصوتي، وقد برهنوا على دقّة النّظر والمعيار الواضح