الإعجاب «١»، ومنهجه واضح من حيث الكشف عن التلاؤم بين صوتيات الآية، وهذا يدلّ على نظرة علميّة موضوعية.
إننا لا نبخس الرافعي حقّه، وجهوده في النظم الموسيقى للقرآن، فنحن ننظر إلى تحليله بإجلال، ففيه لفتة موسيقية تستمدّ ركائزها من معطيات علم التجويد إضافة إلى فنّ الموسيقا، والذوق الموسيقى الرفيع، فكثيرا ما تصادفنا مصطلحات تجويدية من مثل الغنّة والوقف والمدّ والقلقلة، وهذا غير موجود لدى باحث سواه.
ويؤخذ عليه أن نظرته جزئية، فقد وجد أن كثرة الفتحات تنسجم وتوائم توالي الضّمّات في الفاصلة، مما يجعلها خفيفة على اللسان والأذن، وهذا ينمّ على تدبّر عميق للنّسق القرآني، لكن هذه المفردة وردت في سورة القمر نفسها ببنيتها الثقيلة- كما يرى- عشر مرات أيضا، ولم يسبقها هذا التوالي من الفتحات، كما في «بطشتنا» مما
يحقق الانسجام، فإذا عرفنا أنّها ظلّت فاصلة فيما يدعى باللازمة الموسيقية، ولم تسبقها تشكيلة صوتية واحدة من الحركات التي ذكرها، نكون قد اعترفنا بجسأتها في عشرة مواضع.
بيد أن الكلمة جاءت نكرة، وليست معرّفة كما في شاهده، وثمّة فرق بينهما حيث لا توجد نون مشدّدة هنا قبل الضمتين، قال تعالى: فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ «٢».
كذلك يجدر به ألا يعمّم منطلقا من آية واحدة، كما يجب أن يشير إلى طبيعة الحروف، إذ لها تأثير في جعل الضمة ثقيلة أو خفيفة، فقوّتها وبساطتها تتبعان الحرف نفسه، وكما يقول كمال بشر: «فالفتحة مثلا قد تكون مفخّمة، وقد تكون مرقّقة، وقد تكون بين التفخيم والترقيق، فهي مفخّمة مع حروف الإطباق، وهي الصّاد والضّاد والظّاء، وهي في الحالة الوسطى بين التفخيم والترقيق مع القاف والعين والغين والحاء، ولكنها مرقّقة في المواقع الصوتية الأخرى... وهذا الشيء نفسه يطبّق على الكسرة والضمة» «٣».
(٢) سورة القمر، الآية: ٣٩.
(٣) بشر، د. كمال، ١٩٧٠، علم اللغة، الأصوات، ط/ ١، دار المعارف بمصر،