وكذلك يثير شكل الفاصلة هذا المعنى.
ومما يحمد له إشارته إلى الانسجام، فالقرآن حافظ على هذه السّمة، والدليل على هذا سهولة نطق مفرداته، وكثيرا ما نتلمّس خشونة حروف إلى جانب ليونة حروف، وقد قال جويو: «من الأسباب التي تجعل الأذن تضيق بالصّوت الرتيب هو أن الصوت الرتيب يعمل الأذن على نحو واحد، فيضني الأعصاب السمعية، ولا كذلك التنوع في الشّدة والنّغمة، فإنه يريح الأذن حتى في عملها».
وقد ارتبط هذا بتصوير المعاني والمواقف، فالتركيب الداخلي لمفردات وصف أهل الجنة يختلف عن تركيب مفردات وصف أهل النار.
وليت الدارسين قدامى ومحدثين استفادوا- كما استفاد الرافعي- من قواعد التجويد لكشف جماليات السّمع بدلا من إشعارنا بالحدس، وقلّما استفادوا من التّجويد أو فقه اللغة، ولو فعلوا لكانوا أكثر معيارية من الاحتكام إلى الذوق وحده.
- جمالية المدود:
حاول يحيى العلوي أن يقدّم بحثا مفصّلا حول فصاحة المفردة، فراح يعدّد وجوه هذه الفصاحة، وكان اهتمامه بتركيب المفردة يعدّ أصالة واكتشافا جديدا في الجمال الموسيقى لمفردات القرآن، فقد لفت نظره ورود كلمات في القرآن بصيغة الجمع، ولم ترد مفردة، وهذا التلميح يدلّ على تذوّق لجمال وجود الألف في الكلمات التي استشهد بها مثل الأكواب وأصواف وألباب، فأكواب مثلا ذكرت بصيغة الجمع ست عشرة مرة، ولم تذكر مرة واحدة بحالة الإفراد.
وسوف نتناول إحساس هذا الباحث بالبنية الداخلية، إذ يقول: «فأمّا لبّ العقل فأحسن استعمالاته إذا كان مفردا عن الإضافة أن يكون على صيغة الجمع» «١».
وهذا ما لفت نظر الرافعي، فحاول أن يلقي فيه أضواء من عنده مستعينا

(١) العلوي، يحيى، الطّراز: ٣/ ٤٧.


الصفحة التالية
Icon