بطبيعة الأصوات، فقد جاء في كتابه: «ولم تجيء فيه مفردة- الألباب- بل جاء في مكانها القلب، وذلك لأن لفظ الباء شديد مجتمع، ولا يفضي إلى هذه الشدة إلا من اللام الشديدة المسترخية، فلما لم يكن ثمّ فصل بين الحرفين يتهيّأ معه هذا الانتقال على نسبة بين الرخاوة والشّدة تحسن اللفظة، مهما كانت حركة الإعراب فيها نصبا أو رفعا أو جرّا، فأسقطها من نظمه بتّة، على سعة ما بين أوّله وآخره، ولو حسنت على وجه من تلك الوجوه لجاء بها حسنة رائعة، وهذا على أن فيه لفظة «الجبّ»، وهي وزنها ونطقها، لولا حسن الائتلاف بين الجيم والباء من هذه الشّدة في الجيم المضمومة» «١».
ويظهر فضل الرافعي هنا في كشف الغموض الذي اكتنف رأي صاحب الطراز، فصار الجمال عنده موضوعيا ينطلق في إثبات القيمة من الجميل نفسه، فنحن نقرأ قوله تعالى: وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ «٢» وقوله تعالى:
وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ «٣»، ونرجّح جمال أكواب على كوب، وجمال ألباب على لبّ، لكننا لا نرضى بمجرد ذكر الثّقل في حالة الإفراد، وهذا الشيء مفسّر من خلال توالي حروف ثقيلة عند الرافعي كاللام والباء، ووجود الآية:
لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ «٤»، لا يمثّل إشكالا، لأن طبيعة الجيم غير طبيعة اللام.
ومن المواضع التي نقف عندها إشارة يحيى العلوي إلى جمال صيغة الجمع في كلمة «أصوافها»، وذلك في قوله تعالى: وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها وَأَشْعارِها أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ «٥»، فإذا احتيج إلى إفرادها ذكر العهن، كما رأى الرافعي في القلب بدلا من إفراد الألباب، يقول يحيى العلويّ:
«واستعمالها مفردة ليس لائقا بالفصاحة، ومن أجل هذا لمّا احتيج إلى استعمالها مفردة جاء بما يخالفها في لفظها كقوله تعالى: كَالْعِهْنِ

(١) الرافعي، مصطفى صادق، إعجاز القرآن، ص/ ٢٣٢.
(٢) سورة ص، الآية: ٢٩.
(٣) سورة الغاشية، الآية: ١٤.
(٤) سورة يوسف، الآية: ١٠.
(٥) سورة النّحل، الآية: ٨٠.


الصفحة التالية
Icon