جاري عادته يولع بالعبارات الفضفاضة، والألفاظ الرّنانة التي لا تفيد إلا بكونها مفتاحا لتذوق آخر يعتمد المنهج العلميّ، ولعلّه يريد شدّة الصاد الذي يجاور كلّا من الطّاء والراء، وكذلك الخاء، فيوجد أربعة حروف احتكاكية تقوم بدور حسّي يصوّر معالجة النار لأجسادهم.
ولقطب وقفات كثيرة في هذا المضمار، وذلك لأنّ موسيقا اللفظ في منظوره عنصر من عناصر التصوير، وهذه الموسيقا المصوّرة لا تقتصر على نوعية الحروف، بل تشتمل على التّشكيل الناتج عن الحركات والمدود، فهو يقول في بداية تفسير سورة الواقعة: إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ «١»: «ولفظة الواقعة بما فيها من مدّ، ثم سكون، أشبه بسقوط الجسم الذي يرفع، ثم يترك، ليقع فينتظر له الحسّ فرقعة ورجّة» «٢».
فجمالية التصوير باللفظ تعتمد على هذا المدّ الطويل قبل القاف، مما يبعث على تصوّر وقوع جسم بعد ارتفاعه، ونظرة قطب لا تخلو من إثارة هذا التصوّر، على الرغم من أن «واقعة» نفسها تدلّ على السّقوط.
وقد اطّردت عنده مثل هذه الإثارة في تفسير أسماء يوم القيامة، الصاخّة والطامّة والقارعة والحاقّة، وكل هذه المفردات مصوّرة بجرسها، يقول في تفسير فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى «٣»: «والطّامّة لفظة مصوّرة بجرسها لمعناها، فهي تطمّ وتعمّ وتطغى على السّماء المبنية والأرض المدحورة» «٤».
ويجب أن ننبّه إلى احتكامه إلى الحرف والحركة معا، وإلى أنّ هذه خصوصية المدّ هنا لا تطّرد في كل موضع، فهي توظّف في بعض المواضع، وعلى سبيل المثال نقرأ قوله تعالى حكاية عن ولد نوح عليه السلام: قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ «٥».
(٢) قطب، سيد، مشاهد القيامة، ص/ ١٠٨.
(٣) سورة النازعات، الآية: ٣٤.
(٤) قطب، سيد، مشاهد القيامة، ص/ ١٨٩.
(٥) سورة هود، الآية: ٤٣.