اللغويّ، الذي لا يمسّ الوجدان، وتطول وقفتنا مع الزمخشري، لأنه خير من يتأمل دقائق اللغة القرآنية بتذوق، لا بجفاف مدرسي.
- مع الزمخشري:
هنالك وقفات يتأمل فيها الزمخشريّ المفردة القرآنية، ويتحدث بمعيار لغوي بلاغي يؤيّد المفهوم الديني، وذلك على سبيل المثال في تفسيره البسملة، إذ يقول: «وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرّحيم، لذلك قالوا: رحمن الدنيا والآخرة، ورحيم الدنيا، ويقولون: إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى» «١».
وقرين هذا إشارته إلى موافقة الصيغة للواقع، فإن فعل «نزّل» يعني عنده التواصل بالتدريج، وفي سورة البقرة نقرأ: وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ «٢»، ويقول في تفسيرها: «فإن قلت: لم قيل (مما نزّلنا) على لفظ التنزيل لا الإنزال؟ قلت: لأن المراد النزول على سبيل التدريج والتنجيم.. وذلك أنهم كانوا يقولون: لو كان هذا من عند الله مخالفا لما يكون عند الناس لم ينزل هكذا نجوما.. فقيل: إن ارتبتم في هذا الذي وقع إنزاله هكذا على مهل وتدريج، فهاتوا أنتم نوبة واحدة من نوبه، وهلمّوا نجما واحدا من نجومه سورة من أصغر السور، أو آيات شتّى مفتريات، وهذه غاية التّبكيت، ومنتهى إزاحة العلل» «٣».
ويتأمل صيغة التأنيث في «مرضعة» في قوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ «٤»، وقد رجّح أبو هلال العسكري «٥» جمال وجود «مرضعة» على امرأة، لإظهار ناحية العطف، إلا أن الزمخشري يتعمّق في صيغة التأنيث، فيرى للتأنيث جماله في الآية، فهو يقول: «فإن قلت: لم قيل مرضعة
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٣.
(٣) الزمخشري، الكشاف: ١/ ٢٣٨.
(٤) سورة الحج، الآية: ٢.
(٥) انظر: أبو هلال العسكري، كتاب الصناعتين، ص/ ٣٦٥.